أبى كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر قال: كانت لنا جواري وكنا نعزل فقالت اليهود: إن تلك الموؤودة الصغرى فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: كذبت اليهود، لو أراد الله خلقه لم يستطع رده) وأخرجه النسائي من طريق هشام وعلي بن المبارك وغيرهما عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مطيع بن رفاعة عن أبي سعيد نحوه، ويجمع بين هذه الأحاديث وحديث جذامه بأن حديث جذامة يحمل على التنزيه وهذه طريقة البيهقي، ومنهم من ضعف حديث جذامة بأنه معارض بما هو أكثر طرقا منه، وكيف يصرح بتكذيب اليهود في ذلك ثم يثبته؟
قال الحافظ وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم، والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن، ومنهم من ادعى أنه منسوخ، ورد بعدم معرفة التاريخ.
وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الامر أولا من موافقة أهل الكتاب، لأنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه، وتعقبه ابن رشد ثم ابن العربي بأنه لا يجزم بشئ تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم، ومنهم من رجح حديث جذامة لثبوته في صحيح مسلم وضعف مقابله بأنه حديث واحد اختلف في إسناده فاضطرب، ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافق أصل الإباحة وحديثها يدل على المنع، فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان، وتعقب بأن حديثها ليس صريحا في المنع، إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما، وخصه بعضهم بالعزل عن الحامل لزوال المعنى الذي كان يحذره الذي يعزل من حصول الحمل، وجمعوا بين تكذيب اليهود في قولهم الموؤودة الصغرى، وبين إثبات كونه وأدا خفيا في حديث جذامة بأن قولهم الموؤودة الصغرى يقتضى أنه وأد ظاهر، لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيا، فلا يعارض قوله، ان العزل وأد خفى، فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلا، فلا يترتب عليه حكمه، وإنما جعله وأدا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة، وقال بعضهم: الوأد الخفي ورد على طريق التشبيه لأنه قطع طريق الولادة قبل مجيئه فأشبه قتل الولد بعد مجيئه.