والثاني وهو قول أكثر أصحابنا، وهو المذهب أنه لا حد عليه لقوله صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات. وحصول الاختلاف في إباحته من أعظم الشبهات ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الحد في حديث عائشة.
وأما قوله في رواية الدارقطني (فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) فقد أخرجه أيضا البيهقي. قال ابن كثير: الصحيح وقفه على أبي هريرة. وفى لفظ:
للدارقطني كنا نقول التي تزوج نفسها هي الزانية.
قال الحافظ ابن حجر: فنبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة، وكذلك رواها البيهقي موقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى. فتسميتها بالبغي أو الزانية إذا صحت روايات الرفع حمل على سبيل المجاز لتعلق بعض حكم البغي عليها وهو تحريم الوطئ.
فأما جلد عمر لها فكان على جهة التعزير لا على جهة الحد، بدليل أنه جلد المنكح وهو بالاجماع لا حد عليه.
وأما النبيذ فالفرق بينهما أن هذا الوطئ بين الزنا والوطئ في النكاح الصحيح وشبهه بالوطئ في النكاح الصحيح أكثر بدليل أنه يجب فيه المهر والعدة ويلحق به النسب، وإنما يشبه الزنا بتحريم الوطئ لا غير، فكان إلحاقه بالوطئ في النكاح الصحيح في اسقاط الحد أولى والنبيذ ليس له الا أصل واحد يشبهه وهو الخمر لأنه شراب فيه شدة مطربة وليس في الأشربة ما يشبه الخمر غيره فألحقناه به.
(فرع) ولو تزوج رجل امرأة من نفسها ثم طلقها فهل يقع الطلاق عليها فيه وجهان:
قال أبو إسحاق المروزي: يقع عليها طلاقه لأنه نكاح مختلف في صحته فوقع فيه الطلاق، كما لو تزوج امرأة ودخل بها وطلقها طلاقا بائنا ثم يتزوج أختها أو عمتها قبل انقضاء عدة الأولى، فإن نكاح الثانية مختلف في صحته، لان مذهبنا أنه يصح، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه انه لا يصح، ولو طلق الثانية لوقع عليها الطلاق وإن كان مختلفا في نكاحها فكذلك هذه مثلها.