قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وإن ظهرت من الرجل أمارات النشوز لمرض بها أو كبر سن ورأت أن تصالحه بترك بعض حقوقها من قسم وغيره جاز، لقوله عز وجل (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) قالت عائشة رضي الله عنها: أنزل الله عز وجل هذه الآية في المرأة إذا دخلت في السن فتجعل يومها لامرأة أخرى، فإن ادعى كل واحد منهما النشوز على الآخر أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ليعرف الظالم منهما فيمنع من الظلم، فان بلغا إلى الشتم والضرب بعث الحاكم حكمين للاصلاح أو التفريق، لقوله عز وجل (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) واختلف قوله في الحكمين فقال في أحد القولين: هما وكيلان فلا يملكان التفريق الا باذنهما، لان الطلاق إلى الزوج، وبذل المال إلى الزوجة فلا يجوز الا باذنهما، وقال في القول الآخر: هما حاكمان فلهما أن يفعلا ما يريان من الجمع والتفريق، بعوض وغير عوض: لقوله عز وجل (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) فسماهما حكمين، ولم يعتبر رضا الزوجين.
وروى عبيدة أن عليا رضي الله عنه بعث رجلين فقال لهما أتريان ما عليكما.
عليكما، ان رأيتما أن تجمعا جمعتما، وان رأيتما ان تفرقا فرقتما، فقال الرجل:
اما هذا فلا، فقال كذبت لا والله ولا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعلى، ولأنه وقع الشقاق واشتبه الظالم منهما فجاز التفريق بينهما من غير رضاهما، كما لو قذفها وتلاعنا، والمستحب أن يكون حكما من أهله وحكما من أهلها للآية، ولأنه روى أنه وقع بين عقيل بن أبي طالب وبين زوجته شقاق، وكانت من بنى أمية، فبعث عثمان رضي الله عنه حكما من أهله وهو ابن عباس رضي الله عنه، وحكما من أهلها وهو معاوية رضي الله عنه ، ولان الحكمين من أهلهما اعرف بالحال، وإن كان من غير أهلهما جاز لأنهما في أحد القولين وكيلان وفى الآخر حاكمان، وفى الجميع يجوز أن يكونا