في كتب التاريخ هي وحدها كانت السبب في مقتله؟
أم أن هناك عوامل أخرى لم يذكرها المؤرخون؟
قال ابن أبي الحديد في شرحه للنهج، وهو في معرض حديثه عن إحداثات عثمان: إنها وإن كانت إحداثا، إلا أنها لم تبلغ الحد الذي يستباح به دمه، وقد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة، حيث لم يستصلحوه لها، ولا يعجلوا بقتله (1)، فإذا ثبت ذلك، فما هو السبب إذن؟
في الوقت الذي لا ننكر فيه ما للدوافع المالية والسياسية من أثر في توسيع رقعة الخلاف وإثارة الأمة ضد الخليفة، إلا أننا - ومع ذلك - نحتمل وجود سبب آخر - ومن وراء الكواليس - لم يبحثه الباحثون ولم يحققوا فيه.
إذ أن سوء سيرة الخليفة المالية - وكما قلنا - لا تستوجب القتل، وقد ثبت عن عثمان أنه كان يغدق الأموال بشكل وفير على الجميع، حتى احتمل البعض بأن لينه، وسماحة طبعه وكرمه هما اللذان أديا إلى مقتله، وأن إغداقه على أعدائه ليس بأقل مما خص به أقرباءه، فقد روي بأن طلحة قد اقترض منه خمسين ألفا، فقال لعثمان ذات يوم: قد تهيأ مالك فأرسل من يقبضه، فوهبه له (2).
وفي مكان آخر: وصل عثمان طلحة بمائتي ألف، وكثرت مواشيه وعبيده، وقد بلغت غلته من العراق وحدها ألف دينار يوميا.
يقول ابن سعد في طبقاته: لما مات طلحة كانت تركته ثلاثين مليونا من الدراهم، وكان النقد منها مليونين ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار.
فمن البعيد أن يكون طلحة - ذلك المنتفع - من المخالفين لسياسة عثمان المالية، فما هو السبب يا ترى؟ هل هو الطمع في الحكم، أم الغيرة على الدين؟