السنوات الست الأوائل من خلافته والتي لم يذكر فيها شئ عن إحداثه الديني، أما أخبار الغسل فإنها صدرت في الأعوام الستة الأخيرة التي رماه الأصحاب فيها بالإحداث والإبداع، وأنا سنشير لاحقا إلى أسباب تغيير سياسة الخليفة في النصف الثاني من خلافته ودواعي احداثه للوضوء الجديد (1).
وعلى ضوء ما تقدم، نحتمل أن يكون الخليفة إنما أراد من توجيه الخطاب إلى حمران أن يدفع الدخل المقدر في ذهنه - حسبما يقوله الأصوليون - أي: يرفع التساؤل الذي من المحتمل أن يطرح في مخيلته ويختمر في ذهنه وهو: كيف يصح للخليفة أن يغسل رجليه اليوم وقد عهدناه حتى الأمس القريب يمسحهما؟!.. فالخليفة أراد أن يدفع الاحتمال المقدر والمكنون في نفس حمران بقوله: (إن ناسا يتحدثون في الوضوء بأحاديث لا أدري ما هي، ألا إني رأيت رسول الله يتوضأ نحو وضوئي هذا) فإن جملة (ألا إني رأيت رسول الله يتوضأ نحو وضوئي هذا) إشارة إلى أنه يطلب أمرا لمشروعية عمله الجديد والذي أقدم عليه خلافا لسيرة الصحابة، وما كان يعمله في السنوات الست الأوائل من خلافته!
بعد كل ما تقدم.. يمكننا الجزم بأن منشأ الخلاف ومسوغات استفحاله إنما تعود بالكامل إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفان، فهو الذي راح يعرض ويصرح بمخالفيه، وأجهد نفسه في شتى المناسبات لبيان أدلته على صحة وضوئه - بعد نسبته إلى النبي الأكرم (ص) - كقوله: سمعت رسول الله يقول:... أسبغوا الوضوء...، و... أحسنوا الوضوء... وما شابهها من العبارات التي من الممكن تسخيرها في دعم فكرة تكرار الغسل ثلاث مرات، باعتبار أن تكرار الغسل هو غاية الإسباغ ومن إحسان الوضوء، وهكذا الأمر في ابدال مسح الرجلين بغسلهما لأنه يرى أن الوضوء هو النظافة، والإسباغ هو المبالغة في النظافة، وأن غسل