كل حين. وأي مذهب كان أصحابه خاملين ولم يولوا القضاء والافتاء ولم يرغب فيهم الناس اندرس بعد حين (1).
فمدرسة أهل البيت لم تكن كغيرها من المذاهب الحكومية بل كانت لها سماتها الخاصة، وعرفت باستقلالها الفكري وعدم خضوعها لنظام السلطة، بل في رؤاها تضاد مع خلفاء الجور ولا تسمح (لأولي الأمر!) أن يتدخلوا في شؤونها وتوجيه فكرها بل إن أهل البيت دعوا شيعتهم للابتعاد عن الخلفاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإن بقاء مذهب كهذا رغم كل هذه الملابسات يرجع إلى قوته الروحية وملكاته الربانية، وإن أمر انتشار غيره من المذاهب لم يكن مثله، وقد قرأت عن تلك المذاهب وإنها ترجع إلى المقومات الجانبية فيها كتوليهم للقضاء. وقد رأينا إن هذه المذاهب نفسها تختلف شدة وضعفا لما أنيط بأصحابها من القضاء والافتاء، فالمذهب الحنفي يقوى عندما يكون أبو يوسف وجيها في الدولة مقبولا عند الخلفاء. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الآخرين في العهود الأخرى.
أما انتشار مذهب جعفر بن محمد الصادق وبقاؤه لحد هذا اليوم رغم مخالفة الحكام فيرجع إلى ملكاته الروحية ومقوماته الذاتية، ولا ينكر ذلك أحد.
فأهل البيت وشيعتهم منصورون بالحجج والبراهين التي بأيديهم لا يضرهم من خالفهم وخذلهم، وإليك ما رواه الحفاظ عن النبي أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين قائمين بالحق لا يضرهم من خالفهم وخذلهم) (2).
وجاء في كتاب (الفقيه والمتفقه): (... لن تزال أمة من أمتي على الحق ظاهرين على الناس لا يبالون من خالفهم ولا من ناوأهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون) (3).