فدخل القائد يوما على الرشيد فوجده مغموما، فسأله عن سبب غمه، فقال: شئ من أمر الدين قد حزبني، فاطلب لي فقيها أستفتيه، فجاءه بأبي يوسف.
قال أبو يوسف: فلما دخلت إلى ممر بين الدور، رأيت فتى حسنا أثر الملك عليه {الظاهر أنه الأمين بن الرشيد} وهو في حجرة في الممر محبوس، فأومأ إلي بإصبعه مستغيثا، فلم أفهم عنه إرادته، وأدخلت إلى الرشيد، فلما مثلت بين يديه، سلمت، ووقفت.
فقال لي: ما اسمك؟
قلت: يعقوب، أصلح الله أمير المؤمنين.
قال: ما تقول في إمام شاهد رجلا يزني، هل يحده؟
قلت: لا يجب ذلك.
قال: فحين قلتها سجد الرشيد، فوقع لي أنه قد رأى بعض أولاده الذكور على ذلك، وأن الذي أشار إلي بالاستغاثة هو الابن الزاني!
قال: ثم رفع رأسه وقال: ومن أين قلت هذا؟
قلت: لأن النبي (ص) قال (ادرؤوا الحدود بالشبهات)، وهذه شبهة يسقط الحد معها.
فقال: وأي شبهة مع المعاينة؟
قلت: ليس توجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى، والحكم في الحدود لا يكون بالعلم.
قال: ولم؟
قلت: لأن الحد حق الله تعالى، والإمام مأمور بإقامة الحد، فكأنه قد صار حقا له، وليس لأحد أخذ حقه بعلمه، ولا تناوله بيده، وقد أجمع المسلمون على وقوع الحد بالإقرار والبينة، ولم يجمعوا على إيقاعه بالعلم.
قال: فسجد مرة أخرى، وأمر لي بمال جليل، ورزق في الفقهاء في كل شهر، وأن ألزم الدار.
قال: فما خرجت حتى جاءتني هدية الفتى وهدية أمه وأسبابه، فحصل لي