1084 - 4 ثم نقول في بسط تقسيم العلم: ان العلم لا بد له من متعلق، فمتعلقه اما ما ليس لنا فيه اثر وجودي، وهو الذي ليس غايته العمل، ولكن يستلزم عملا كعلمنا بالوجود ووحدته وامكان العالم والكلية والجزئية وغير ذلك من المعقولات الثانية، واما ما لنا فيه اثر وجودي، وهو الذي غايته العمل، وهذا اما ان يراد لا لنفسه، كالاحكام الإلهية والتكاليف الشرعية أمرا ونهيا وعلم الأخلاق على اختلاف صورها، فإنه ليرتكب منها ما يجب أو ينبغي ارتكابه ويجتنب ما ينبغي أو يجب اجتنابه، فهذا يراد لكونه وسيلة إلى ما هو أشرف منه، والأول يراد لذاته ولمتعلقه وهو الحق سبحانه وحقائق أسمائه وصفاته العزيزة.
1085 - 4 ثم نقول في تتميم تقسيم العلم بحيث لا يخرج عنه علم ما على كل تقدير: ان متعلق العالم اما أمر واجب حصوله في المادة - أي الجسمانية - أو ممتنع ذلك فيه، أو جائز فيه الأمران، والأول اما واجب الحصول في أي مادة كانت من غير تعيين أو في مادة معينة، فالمختص بمطلق المادة العلم المتعلق بالمقادير وهو المسمى عند علماء الرسوم بالرياضي والمشترط فيه تعين المادة بعلم الطبيعي، والممتنع حصوله في المادة هو متعلق الإلهي، والذي يدرك تارة في المادة وتارة مجردا عنها هو علم الأسماء الإلهية والحقائق الكلية، كالعلم والقدرة والوحدة والكثرة وغيرها، فإنها توجد تارة في المجردات واخرى في المواد الجسمانية، وهى بما هي غنية عن كل منهما والا لما وجد مع الأخرى.
1086 - 4 فان قلت: هذه الثلاثة أقسام العلم النظري، أي الذي ليس غايته العمل كما ذكره أهل النظر، فكيف لا يخرج عن هذا التقسيم علم ما؟
1087 - 4 قلت: لما انحصر المعلوم في المادي والمجرد، كان كل علم متعلقا بهما و باحكامهما، سواء كان غايته العمل أولا، فالعبادات لكونها تعظيم الحق، والأخلاق لكونها تهذيب النفس من الإلهيات الباحثة عن أحوال المجردات، والمعاملات والمزاجر لتعلقهما بالمعاشرة الجسمانية من فروع الطبيعيات.