203 - 4 ثم نقول: فالميل الأول المذكور للأسماء الذاتية المعبر عنه بالاقتضاء الاحدى في ذاته المتعدد بحسب مراتبه وقوابله هو الإرادة، والتعلق الحاصل من النسبة الجامعة التي هي حضرة أحدية الجمع وحقيقة الحقائق الذي بها وبقوتها يظهر حكم الميل من إحداها في كلها - أعني حكم الاجتماع بين سائرها - هو المحبة الباعثة على الظهور، المتعلقة بكمال الجلاء والاستجلاء، المتوقف حصول هذا الكمال على العالم تفصيلا، وظهور الانسان الكامل - المبين حاله في آخر الكتاب - مجملا بعد التفصيل.
204 - 4 والحاصل: ان اقتضاء الظهور باعتبار نسبته إلى إحدى الحقائق الأسمائية يسمى إرادة، وباعتبار نسبته إلى الحقيقة الجامعة التي بقوتها يحصل ذلك ويتعلق بكمال الجلاء والاستجلاء، يسمى محبة أزلية، والاقتضاء في ذاته أمر واحد هو الوصلة الرابطة بين التجلي الأول الكمالي الذاتي وبين التجلي الثاني الكمالي الأسمائي المنبعث منه على ما مر وعلى هذا.
205 - 4 وهذا الاقتضاء والطلب والميل هو المنبه عليه في سر الأولية ب (أحببت ان اعرف فخلقت الخلق لأعرف) لان المحبة لا تتعلق بموجود أصلا، لاستحالة طلب الحاصل، بل بكمال لم يظهر قبل الخلق - كظهوره بعده - وهذه المعرفة الذاتية أو الأسمائية هي الظهور المعبر عنه بالعبادة في قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون (56 - الذاريات) أي ليعرفوني، أي ليوحدوني.
206 - 4 والتحقيق فيه ما أشار إليه الشيخ قدس سره في تفسير إياك نعبد من أن للانسان عبادتين: إحداهما ذاتية مطلقة هي قبول شيئيته الثابتة المتميزة في علم الحق للوجود الأول من موجده وامتثاله للامر التكويني المتعين ب (كن)، وهذه العبادة مستمر الحكم من حال القبول الأول لا إلى أمد متناه، فإنه من حيث عينه ومن حيث كل حال مفتقر إلى الوجود دائما، لانتهاء مدة الوجود المقبول في النفس الثاني من زمان تعينه والحق ممده بوجوده المطلق كما أشار إليه بقوله تعالى: بل هم في لبس من خلق جديد (15 - ق) والانفاس من لوازم هذا القبول.