وفي عالم الزخرف والزينة والإغواء يرقصون طربا لما عندهم من مال وبنين.
وهم في الحقيقة لا يشعرون ماذا ينتظرهم في نهاية الطريق. إنهم قد يرون بداية الطريق أو وسطه. أما نهاية الطريق فلا ترى إلا بعد أن تجيئ. وإذا كان القرآن قد سلط الأضواء على الذين أمرهم شورى بينهم والذين قطعوا أمرهم بينهم، فإن الله تعالى أمر دائرة الإيمان وفيها الذين أمرهم شورى بينهم. أمرهم أمرا واحدا لا اختيار فيه حتى يوازنوا بينه وبين أمرهم فقال جل وعلا: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (1). فكيف يكون هناك اختيار والله ورسوله قد اختار. وفي هذا الاختيار قمة الحرية الحقيقية التي توفر للإنسان إنسانيته الحقة. حتى نعود إلى من حيث بدأنا ونقول:
إن علم النبي صلى الله عليه وسلم بما سيحدث في النهاية يقتضي أن يقيم عليه الحجة في البداية. وإقامة الحجة سنة إلهية يترتب عليها الثواب والعقاب. ألم ترى أن الله أقام الحجة على خلقه وهم في عالم الذر. أقامها عند أول أعتاب خلق البشرية. لعلمه أن المسيرة ستنتج المؤمن والكافر والمحسن والمسئ، قال تعالى: (وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) (2)، فإذا كان سبحانه قد أقامها في البداية في عالم الغيب. فإنه تعالى قد أقامها على امتداد العصور. وإن كانت الحجة قد سدت الأبواب في وجوه البعض. فإنها فتحتها أمام آخرين. والنبي ما سد شيئا ولا فتحه. ولكنه أمر بشئ فاتبعه وهو في هذا عبدا مأمورا. ما أمر به فعله. إن يتبع إلا ما يوحى إليه. والنبي ما أدخل أحدا وما أخرج أحدا. ولكن الله هو الذي أدخل هذا وأخرج هؤلاء. وذلك لأن المستقبل به أصحاب شجرة خبيثة. والشجرة الخبيثة لا بد أن يقابلها شجرة طيبة، والمستقبل فيه دائرة رجس لا بد أن يقابلها دائرة