ويقطع ابن حجر العذر على من اقتفى آثار غيرهم بقوله: " وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب كذلك، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض " (١).
نعم، إنهم أمان من الغرق في مفاوز الاختلاف والفتن ومحدثات الأمور، ولو كانوا ممن يصيبهم شئ من تلك الأشياء لما كانوا أمانا لأهل الأرض.
أجل يا ابن حجر، لا يخلو الزمان منهم أبدا.. سواء في زمان أبي حنيفة، أو في زمان مالك والشافعي وابن حنبل. بل لا يخلو الزمان منهم فيما نحن فيه من زمان.. فكيف ولى الناس عنهم ويمموا صوب مذاهب أربعة؟! وكان فيهم الصادقون والكاظمون من أبناء الرسول وأحفاد البتول؟!!
على أن وجود المذاهب المتنوعة، والفرق المتعددة، وشدة الاختلاف بينها يدل بعينه على عدم اقتفاء آثار العترة، ويدل على الاكتفاء باتباع غيرها من الناس، ذلك لأن النتيجة الحتمية لاتباع العترة المحمدية في مسائل الدين وغيرها من نواحي الحياة هي الاتفاق على كلمة سواء والاعتصام بالحق الذي لا يتعدد، وعندها تنصرم حبائل الاختلاف وتزول دواعي الشتات بين المسلمين.
ولما كان الاختلاف في أمر من الأمور ينبئ عن عدم الاعتصام بحبل الله، فهو - إذا - من عند غير الله بلا ريب، لأن لازم قوله تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ (2) أن التفرق والتشتت هو دليل على عدم الاعتصام بحبل الله، وعلى مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله ومخالفة أولي الأمر، وهم العترة كما وضح. بل لازم هذا القول هو الانحراف عن الثقلين.
وبهذا يمكن أن نفهم بكل ارتياح ووضوح ما هو حبل الله الذي أمر الناس بالاعتصام به.. فهل يختلف قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا) مع قوله صلى الله عليه وآله: " إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي "؟! فهم إذا حبل الله الذي تنقطع به أسباب الاختلاف، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وآله: " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي