فأما من حيث إنهما معدن العلوم اللدنية فهذا يبين الاتحاد المعنوي للثقلين، فعلوم القرآن بأسرها هي نفسها علوم العترة ولا اختلاف، ولهذا لا يفترقان أبدا.
وأما من حيث إن الثقل مصون ومحفوظ، فهو واضح في القرآن: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ (1) وأما حفظ وصون العترة فهو واضح من حيث إنهم لا يفارقون القرآن، وبالتالي لهم خصوصية حفظه فتمثلت في عصمتهم ليتم الانطباق وعدم الافتراق والاختلاف بينهما.
وكل ذلك يبين بكل وضوح عصمتهم التي بها علو درجتهم على الناس.
ثم يقول ابن حجر: " ولذا حث صلى الله عليه [وآله] وسلم على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم، وقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت " (2).
ولازم هذا أن الحكمة ليست في غيرهم بالنحو الذي فيهم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "، إذ هم أهل البيت الذين خصوا بالعلوم والحكمة، ولهذا لا يجوز اتباع من خالفهم مهما كان عالما، حنفيا كان أو مالكيا، حنبليا كان أو شافعيا.
ثم يقول: " ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده الخبر السابق: لا تعلموهم فهم أعلم منكم. وتميزوا بذلك عن بقية العلماء، لأن الله تعالى أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " (3).
إن قوله: " وتميزوا بذلك عن بقية العلماء " فيه مقايسة لا تصح، فلا علم لهؤلاء العلماء إلا عن طريق العترة، فكل الناس متهافتون على موائد علمهم، فهم العلماء بالحقيقة وغيرهم علماء بالمجاز، ولا قياس بين الحقيقة والمجاز، فالحقيقة أصل والمجاز فرع.