إلا أن يبتلعهم الطوفان؟!
إن هذا الحديث أيضا يتعاضد بشدة مع آية التطهير وحديث الثقلين. وهذه الثلاثة متضافرة يؤيد بعضها بعضا، وهي متفقة في الهدف ومتسقة في المعنى.
إن آية التطهير قد أوضحت زكاء العترة الطاهرة عن كل ما يشين البشر من قبح، فأبانت عصمتهم صريحة واضحة، فجعلهم النبي صلى الله عليه وآله - مع كتاب الله تعالى - ثقلين متلازمين لا يختلفان ولا يفترقان. ولذلك صاروا - حتميا - مثل سفينة نوح، إذ وجه الشبه هو النجاة والسلامة.. على أن الأولى بها نجاة الناس من الغرق في الماء، والثانية بها النجاة من الغرق في الضلال، وشتان ما بين النجاتين!
إن من المسلمات التي أقرها هذا الحديث هي أن أهل البيت هم المعيار الذي يفرق به الحق عن الباطل، ويميز به الصالح من الطالح من الناس، ويتضح به الصواب من الخطأ.
وبالتأكيد يلزم أن يكون المعيار في منأى عن كل باطل وخطأ، لأن مخالطة الباطل له واشتماله على الخطأ يخرجه عن كونه معيارا لتشخيص الحق عن الباطل والصواب عن الخطأ، فالميزان الذي يستعمله التاجر في متجره للقياس والوزن لا يكون وزنه وقياسه صحيحا لو كان به عطب وخلل، وسيفقد بذلك معنى كونه " الميزان ". وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ".
فأهل البيت هم ميزان للحق والباطل: فما وافق ما هم عليه فهو حق، وما خالفه فهو باطل. وأي معنى بخلاف ذلك لا يترك لهم خصوصية دون الناس. ولا وصف يليق بهذه الخصوصية إلا العصمة.. كل ذلك لإحاطتهم بما في القرآن من علوم فرض على الناس العمل بها، بل لحياتهم القرآنية التي فيها روح النبوة وإخلاص العبودية لله عز وجل.
ولقد أوضح ابن حجر ذلك جيدا، فقال: " سمى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم القرآن وعترته [الأهل والنسل والرهط والأدنون] ثقلين، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون. وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن العلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية.. " (1).