ثم إنه لما حانت لحظة من لحظات الدفاع عن هذا الدين أمام افتراءات نصارى نجران، لم يستنفر الله تعالى لهذه المهمة العظيمة غير النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأكارم.
فهؤلاء نصارى نجران يحاجون النبي الكريم من بعد ما جاءه من العلم في أمر عيسى عليه السلام، فيأمره الله تعالى بمباهلتهم، ولكن بعد أن يدعو أهل بيته إذ أنهم شركاء في الأمر، فقال له تعالى:
﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾ (1).
إن هذا الأسلوب في الدفاع عن الدين والذب عنه ليس في مقدور أي فرد من الناس، ذلك لأنه ليس فيه سلاح سوى سلاح الإيمان واليقين الصادق بما نزل به الوحي، بل ليس إيمانا مسبوقا بالشرك أو يمكن أن يخالجه شك من بعد. وإن الدفاع عن هذا الدين بالسيف هو دفاع لا شك فيه، ولكن قد يكون المدافع لا يملك إلا سيفه وشجاعته وحميته، أو قد لا يملك إلا الرغبة في الغنائم ومكتسبات الحرب..
أما الوقوف أمام النصارى، ودعوتهم إلى التوجه إلى الله تعالى بالمباهلة - لتحديد الكاذب من الصادق في أمر الدين - فهو أمر يستوجب يقينا بهذا الدين وربه، لا يشوبه شئ. ولما كان الله تعالى لا يمكن أن يختار لهذا الأمر شخصا شاب إيمانه شك وريب أو نقص وضعف.. كان إيمان العترة في أوج كماله وتمامه، فانتدبهم الله تعالى للذب عن الدين بهذا السلاح الإيماني التصديقي. فدعا الحسن والحسين، لقوله " أبناءنا "، ودعا فاطمة لقوله " نساءنا "، ودعا عليا وجاء بنفسه لقوله " أنفسنا "، إذ قصد من قوله " أنفسنا " محمدا وعليا في آن واحد، وهو يوضح أنهما من نفس واحدة.
وبهذا يؤكد الوحي تقدم أهل البيت في القيام بمسؤولية هذا الدين ولازم ذلك عدم أهلية غيرهم لهذه المسؤولية في هذه المقام المتقدم بالذات، أي مقام أولي الأمر. فالعامل في السفينة ليست له مهمة الربان فيها، وليس هو أهل لقيادتها، وإن حذق في وظيفته.
وإنما هو أهل لما هو فيه من وظيفة ومسؤولية تدار من مقام الربانية.