بلا ريب أن المعارض قد ارتكب مخالفة ومعصية، مهما كان قدره، عمريا كان أو بكريا، هاشميا كان أو علويا، لأن الناس مقابل طاعة النبي صلى الله عليه وآله سواسية لا تفاوت بينهم، فكلهم واجبة عليهم طاعته والتسليم لأمره، وحرام عليهم مخالفته ومعصيته في شئ، بل يكون ذلك أولى لمن وصف بالصحبة وعاشر النبي صلى الله عليه وآله عن قرب، سواء في طفولته أو بعد نبوته، ففي كلا الزمانين ما كان النبي صلى الله عليه وآله إلا موصوفا بالصدق والأمانة.
وكان المتوقع أنه لما أمر النبي صلى الله عليه وآله بالإتيان بالدواة والبياض لكتابة ذلك الكتاب كان على عمر وجماعته أن يتسابقوا جميعا متزاحمين بالأكتاف للفوز بأداء هذه الطاعة الأخيرة في حياة النبي صلى الله عليه وآله. ولكن ذلك لم يحدث، فقد تثاقلوا عن طاعته وتسابقوا إلى معصيته، وقالوا " هجر رسول الله! "، يقول خطرفة ويهذي هذيانا. والله المستعان على ما يقولون.
ثالثا: إن قول الله تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) لا يتيح لعمر أو غيره أن يقول للنبي صلى الله عليه وآله: (لماذا؟)، فضلا عن شد حزام المعارضة والمناقشة، فهذه الآية لم تستثن عمر من الخروج عن طاعة النبي صلى الله عليه وآله، فعمر الذي قال: " حسبنا كتاب الله، عندنا القرآن " يعلم إذا بهذه الآية جيدا، ولكن عمر لم يكن يرى عيبا في رد ما يكره من أوامر النبي صلى الله عليه وآله، ولم يكن يرى مانعا من أن يجتهد ضد النصوص كتابا وسنة، وقد أوضحنا ذلك فيما مر عليك من كلام.
ونحن نتساءل: لقد عارض عمر النبي صلى الله عليه وآله في كتابة ما أراد قبل أن يكتب النبي صلى الله عليه وآله منه شيئا، فهل كان يعلم عمر بفحوى هذا الكتاب ومحتواه؟! وكيف علم بذلك؟ ومتى؟
وماذا كان الكتاب؟! أم لم يكن يعلم فعارض عن جهل؟!
ونسأل ثانية: هب أن عمر كان عالما بما يريد النبي صلى الله عليه وآله كتابته، فلماذا عارض ذلك الأمر، وقد علم أنه سبب لنجاة وهداية الأمة؟ فهل كان عمر يعلم أنه سيتضرر من كتابة ذلك الأمر على وجه الخصوص؟! أم ماذا يا أولي الألباب؟!.