أبرزها العقلية القبلية والتي اتضح من صراع السقيفة وما بعدها. إنها كانت لا تزال سائدة في مجاميع المهاجرين والأنصار، وبكل ما في هذا النهج القبلي من حب السلطة والجاه، والتمكن والانتصار للشخص والعشيرة وغير ذلك من الاعتبارات الجاهلية، ومما كان دليلا " أكيدا " على عدم تشرب نفوس المسلمين لغاية ذلك الحين بروحية الإسلام وفكرته ورسالته.
وقد عبر الإمام علي عليه السلام عن رفضه لما جرى في السقيفة بتخلفه عن بيعة أبي بكر ستة شهور، ولكنه آثر أخيرا " البيعة لما استسلم له الناس، واختار أن يبقى على مقربة من النظام القائم، لتحققه من أن المصلحة الرسالية العليا تتطلب منه ذلك، لا سيما لبقاء وجود قدرته على التأثير في الحفاظ على تعاليم الإسلام من التحريف والتشويه، وباعتبار أن الخلفاء الثلاثة الأوائل قد بايعهم الناس على أن يعملوا بكتاب الله وسنة نبيه.
وهذا المبدأ هو نفسه الذي يفسر رفض الإمام علي عليه السلام الأولي للخلافة بعد مقتل عثمان، ولم يقبلها إلا بعد إصرار الناس عليه، وإظهار رغبتهم الأكيدة لخلافته، فأصبحت الفرصة بمبايعة المسلمين له مهيأة لتوحيد الخط والفكر والمنهج، لأن خلافته عليه السلام هي الوحيدة التي أجمع المسلمون على صحتها على مر العصور باختلاف فرقهم ومذاهبهم، وهي المعياد التي يجب أن تقاس به أي خلافة كانت، سواء كانت بنص من الله ورسوله، أو كانت بشورى حقيقية من الناس. فخلافة علي عليه السلام هي الغاية والمثال الأعلى فيما ذهب إليه أهل السنة والشيعة بقولهما في الخلافة، وهو الوحيد الذي استحق عند أهل السنة من بين جميع الخلفاء على مر العصور لقب (الإمام)، وعند الشيعة من بين جميع الأئمة الاثني عشر لقب (أمير المؤمنين).
ولكن هيهات، فقد أبى الشيطان إلا أن يخرج بقرنه، فماجت الأرض، وهدرت دماء المسلمين بسيوف المسلمين، حتى تحول عهد علي عليه السلام إلى