الدنيوية، فقد أصبحت التوراة خلال مدة النفي مركزا التف حوله بنو إسرائيل، وتبعوا إرشاداته في السر والعلانية، وإن المثل الذي يقول (إسرائيل والتوراة شئ واحد) ليس مجرد مثل سائر، ولا يستطيع غير بني إسرائيل أن يدركوا كنهه، فمعنى التوراة في أهميته الوطنية لا يفهم لغير بني إسرائيل، ومحتويات التوراة ليست فقط دينا أو عقيدة أو أخلاقا أو تشريعا أو علما بل ليست كل هذه مجتمعة، إنها شئ أكثر جدا من كل هذا عند بني إسرائيل، إنها حياتهم ودنياهم في الماضي والحاضر والمستقبل، والتوراة - في الفكر الإسرائيلي - الوسيلة والأداة التي خلق بها العالم، فبها ولأجلها خلق الإله الدنيا، ولذلك فهي أقدم من هذا العالم، إنها أسمى فكرة، وإنها الروح الحية للدنيا كلها، وبدونها ليس للدنيا بقاء، ودراسة التوراة أهم عند بني إسرائيل من بناء معبد، والالمام بها يضع صاحبه في مكانة أسمى من الكهنة ومن الملوك، ودارسها يضمن لنفسه النجاح، وبها يسمو الإنسان على كل البشر، ولو اشتغل بها وثنى فإنه يصبح في مكانة أسمى من مكانة الكاهن، والفاسق الأثيم إذا حفظها يأخذ مكانة أسمى من رجل الدين الذي يجهلها (1).
(٢٦٤)