في هذا العصر من أطلقوا على أنفسهم أنبياء وكان هؤلاء - كما يقول Wells (1) - ينتمون إلى أصول وطبقات متباينة، فكان حزقيال مثلا من طائفة الكهنة، وكان ذا عواطف كهنوتية، وكان عاموس راعيا، على أنهم يشتركون في كونهم يبثون في الحياة قوة دينية خارج نطاق القرابين والشكليات المرعية لدى الكهانات والمعبد... فظلوا بعيدا عن الخطة الدينية الرسمية، ولم يبرح الكهان يتبرمون بالأنبياء تبرما يتفاوت قدره، إذ أنهم أصبحوا الناصحين غير الرسميين للناس في الشؤون العامة، والناعين عليهم الخطايا والتصرفات الغريبة، وهم قوم (نصبوا أنفسهم بأنفسهم) ولم يكن لهم من سند يستندون إليه إلا ما يحسون من نور باطني، وفي الكتاب المقدس صيغة ثابتة هي: وعند ذلك جاءت كلمة الرب إلى... ويروى عن عاموس في محاربة الكهنة والأغنياء قوله: إنكم تدوسون المسكين وتأخذون منه هدية قمح، بنيتم بيوتا من حجارة منحوتة ولا تسكنون فيها، وغرستم كروما شهية ولا تشربون خمرها، لأني علمت أن ذنوبكم كثيرة وخطاياكم وافرة، أيها المضايقون البار، الآخذون الرشوة، الصادون البائسين خلف الباب، لذلك يصمت العاقل في ذلك الزمان لأنه زمان ردئ (2).
على أن هؤلاء الذين يطلق عليهم (الأنبياء) لم يكونوا كلهم يستحقون الاحترام، فقد كان بعضهم من المتنبئين الذين يحاولون قراءة قلوب الناس ومعرفة ماضيهم ومستقبلهم، ويتقاضون نظير ذلك بعض الأجور، وكان منهم متعصبون متهوسون يستثيرون مشاعر الناس بالأصوات الموسيقية الغربية أو المشروبات القوية أو الرقص، وينطقون في أثناء غيبوبتهم بعبارات يراها