والمسلمون يرون أنه محرف، وليت شعري لقد حرفه اليهود (1) لا ليرفعوا من مكانة أنبيائهم وعقيدتهم، بل ليطعنوا الأنبياء وينحطوا بالعقيدة، وهذا هو الذي دعا كثيرين من الباحثين إلى الأخذ بما ورد في التوراة متبعين المبدأ العام الذي يرى أن التحريف يكون لصالح من حرف ولا يكون لإدانته. فإذا كان رجل مدينا لرجل بعشرة جنيهات وحرف الدائن صك الدين فإن الطبيعي أن يزيد الدين وليس طبيعيا أن يحرفه بالنقص ليجلب الخسارة على نفسه.
على أي حال فإن هذا البحث به صورتان متناقضتان، إحداهما مقتبسة من الذكر الحكيم تمثل رأي المسلمين وقد سبق إيرادها، والأخرى مقتبسة من التوراة ومن المراجع الأخرى نذكرها على مسؤولية كتابها استكمالا لعناصر الدراسة دون أن نؤيدها أو نوافق عليها، وحسبنا هذا التقديم الضروري عن هذا الباب بوجه خاص وعن المواقف المماثلة بالكتاب كله بوجه عام (2).
* * * وقبل أن نأخذ في هذا، ينبغي لنا أن نوضح أن تاريخ العبريين يذكر عددا كبيرا من الأنبياء قاموا بين الناس بدور الوعاظ وظهروا بعد انقسام مملكة سليمان، وكان ظهور هؤلاء رد فعل للنظام الطبقي الذي اتسع مداه بين اليهود، فقد كانت هناك جماعة تنعم بالغنى الفاحش، وكان آخرون يتساقطون جوعا، وكان كذلك رد فعل لانشغال الكهنة بالمال والتقاليد والمظاهر عن الروح الدينية الحقيقية، ومن أجل هذا كثر