في الحقيقة منه براء، وهذا النوع من الرق هو انتكاس وعود للهوة التي انتشل الإسلام العالم منها، إذ وجد من الناس من يستعذبون الرق ويفضلونه على الحرية، فزجوا بأنفسهم أو بذويهم إلى هذا الرق من باب غير الباب الذي فتحه الإسلام، واختاروا لذلك وقتا ضعف فيه الوازع الديني فأتيح لهم أن يضمنوا بعض النجاح فيما قصدوا إليه، فكان ذلك الذي نسميه: " الرق الصناعي ".
وقصة ذلك أن اصطناع الرق أو التظاهر به كان وسيلة لكسب السلطة، ورغد العيش والنفوذ للرقيق، وقصور الخلفاء والعظماء هي بطبيعة الحال البيوت المفتوحة لتحقيق ذلك للأرقاء والرقيقات، فلهؤلاء في هذه القصور سلطان وجاه واستمتاع بنعيم الحياة في ظل ما ضمنه الإسلام للرقيق من حقوق، وكل هذا جعل بعض الأحرار والحرائر يتوقون لدخول هذه القصور ولو باسم الرق وفي ستر منه، وكانت هذه القصور ترحب بالعبد الكفء والقينة الجميلة الماهرة، ولهذا عمد بعض الآباء إلى تدريب أبنائهم وبناتهم على الحرف التي تعجب أصحاب هذه القصور، كالموسيقى والغناء والرقص والشعر وغيرها، وعرض هؤلاء أولادهم للبيع على أنهم أرقاء ورقيقات، عرضوهم مباشرة أو بواسطة النخاسين الذين تخصصوا في الاتجار بالأرقاء، ووصل كثيرون من هؤلاء إلى القصور من هذا الطريق، وهذا هو السر في انتشار هذا النوع في بعض الفترات التي لا حروب فيها، يقول الأستاذ جميل نخله مدور: إن بيع الرقيقات لم يكن مظهرا من مظاهر العبودية والاسترقاق بالمعنى المألوف، بل إن كثيرا من الفتيات كن يأتين السوق مختارات ليبعن حتى يتمتعن بحياة الترف والنعيم في بيوت الخلفاء والأمراء (1).