وروي أن أبا ذر الغفاري كان يناقش عبدا في حضرة الرسول، فاحتد أبو ذر وصاح بالعبد: يا ابن السوداء. فالتفت له المعلم العظيم وألقى في وجهه بتعبير يعتبر غاية في الاستنكار، هو: طف الصاع، طف الصاع، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح. وقد أدرك أبو ذر من كلام الرسول مدى الخطأ الذي ارتكبه بتفكيره الطبقي، فهوى من استعلائه في لحظة قصيرة، ووضع خده على الأرض وقال للعبد: قم فطأ خدي.
والتشريع في الإسلام عام أي أنه تشريع للناس جميعا وإن اختلف أجناسهم أو طبقاتهم، وقد كانت القوانين قبل ذلك تختلف باختلاف الطبقات، فقد روي أنه لما سرقت فاطمة بنت الأسود المخزومية، جاء أسامة بن زيد يشفع لها، فأنكر الرسول على أسامة شفاعته لها، وقال للناس حوله: إنما أهلك من كانوا قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
ومن وصايا عمر بن الخطاب لولاته قوله:
- سو بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في جنبك، ولا ييأس ضعيف من عدلك.
- اجعل الناس عندك سواء، لا تبال على من وجب الحق، ثم لا تأخذك في الله لومة لائم، إياك والأثرة، والمحاباة فيما ولاك الله.
وهكذا قرر الإسلام المساواة ولا يزال يوصي بها، وإن شطت الاتجاهات القديمة، أو ضعفت المدنية الحديثة عن التمسك بهذا الخلق القويم.