إلى الملاحظة هنا أننا لم نجد عمر (رضي الله عنه) قد اتبع هذه السنة (معاملة الولاة بشدة) في معاوية بن أبي سفيان، فقد أبقاه عاملا على دمشق سنين طويلة، ولم يعجزه بالعزل كغيره، وكان ذلك مما أعان معاوية على طغيانه، وأن يحكم حكما قيصريا طوال أيامه، وخاصة بعد أن استولى على الشام كله في عهد عثمان. ثم امتد هذا الطغيان الأموي إلى ما بعد معاوية حتى تسلم العباسيون الحكم (1).
وتوفي يزيد في ذي الحجة من ذلك العام (19 ه) في دمشق واستخلف أخاه معاوية على عمله، فكتب إليه عمر بعهده على ما كان من عمل الشام، ورزقه ألف دينار في كل شهر (2). ذلك أن عمر قد جزع على (وفاة) يزيد بن أبي سفيان جزعا شديدا، وكتب إلى معاوية بولايته الشام، فأقام أربع سنين، ومات (عمر).
وقالوا: ورد البريد بموت يزيد على عمر، وأبو سفيان عنده، فلما قرأ الكتاب بموت يزيد قال لأبي سفيان: أحسن الله عزاك في يزيد ورحمه، ثم قال له أبو سفيان: من وليت مكانه يا أمير المؤمنين؟
قال (عمر): أخاه معاوية.
قال (أبو سفيان): وصلتك رحم يا أمير المؤمنين (3).
والاستفهام من جزع عمر على موت يزيد الطليق بن الطليق، وفي الجزيرة العربية عشرات الآلاف من المؤمنين.
وكانت علاقة عمر بمعاوية علاقة خاصة تختلف عن علاقته ببقية الولاة.
فقد كان عمر يمقت المواكب العظيمة للولاة فمنعهم واستثنى معاوية. وكان عمر يكره وقوف الناس في باب الولاة إلا في باب معاوية.