صاحبه، ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به وينشؤهم عليه. فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب ونهضات النصب، وجعله لباسا ليلبسوا من راحته ومنامه فيكون ذلك لهم جماما وقوة، ولينالوا به لذة وشهوة.
وخلق لهم النهار مبصرا ليبتغوا من فضله وليتسببوا إلى رزقه ويسرحوا في أرضه طلبا لما فيه نيل العالج من دنياهم ودرك الأجل في أخراهم. بكل ذلك يصلح شأنهم، ويبلو أخبارهم، وينظر كيف هم في أوقات طاعته ومنازل فروضه ومواقع أحكامه. ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.. عدلا منه تقدست أسماؤه وتظاهرت آلاؤه.. " الصحيفة السجادية الدعاء السادس.
فالجانب الوظيفي لليل في رأي الإسلام هو السكن لهذا الجهاز الإنساني، أما الحركة فهي اضطرار مخالف لوظيفة الليل الطبيعية.
والجانب الوظيفي للنهار هو العمل والنشور السرح في الأرض أما السكون فهو مخالف لوظيفة النهار الطبيعية، اللهم إلا راحة الظهيرة القصيرة التي تنص عليها الآية 58 من سورة النور (يا أيها الذين آمنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات في اليوم..
وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة) والتي تكون بحكم الاكتفاء بسكن الليل ارتياحا موجزا لتجديد النشاط عقب شوط العمل وطعام الغداء.
وقضية السبات والنشور في الليل والنهار حقيقة عميقة في تكوين الإنسان وحياته، سواء تكويننا الجسدي والنفسي والعقلي.. والبحوث العلمية في هذا الجانب لا بد أن تجئ مؤيدة لهذه الحقيقة كما أيدها إلى الآن العديد من البحوث الفسيولوجية والنفسية.
ومن أكبر الجنايات التي يستهين بها الناس جنايتهم في إهمال الوظيفة الطبيعية لليل والنهار وقلبها رأسا على عقب.. فلو أردنا أن نقدر الخسائر التي تترتب على هذا التغيير لرأيناها فادحة جدا إن في الصحة الجسدية أو الصحة العقلية والنفسية للناس، أو في الناحية الاقتصادية أيضا.