باستطاعتك أن تدرس فردا أو أفرادا من الناس لترى الفرق الكبير بين حالتهم النفسية في الصباح حينما توجهوا إلى أعمالهم باسم الله وعلى بركته، وبين حالتهم النفسية قرابة الظهر وقد قطعوا شوطا من العمل في طلب الرزق، والتعامل مع الناس.
أو تلحظ المحتوى النفسي لمجتمع استقبل يومه الجديد بالصلاة الصباحية فخشع بين يدي الله وتملى وجوده وهدفه ومفاهيمه عن الحياة والسعي فيها وانتشر في أعماله. ثم تلحظ هذا المجتمع قرابة الظهر وقد أمعن فلاحوه في حقولهم وتجاره في أسواقهم وموظفوه في دوائرهم وعماله في أعمالهم ومسؤولوه في تصريف أموره. لتجد المسافة بين مشاعر الصباح ومشاعر هذه الساعة.
سترى مجتمعا استغرق في حركة السعي لرزقه حتى كاد ينسى مفهومه عن السعي، والروح الفردية قد تسربت في أفراده حتى ليكاد الواحد منهم أن ينحصر في جوه ومشاغله الخاصة ناسيا بذلك وجوده المجموعي ومسؤولياته في ذلك.
إنه داء النسيان يعاود الإنسان في غمرة علائقه بالدنيا فيتهدد مفهومه عن المال والذات ويتهدد هدفه من كدحه وسرحه حتى تكاد تنفذ من قلبه شحنة المشاعر الجيدة التي تلقاها في الصباح فلا يعيده إليها إلا نداء يأتي من مختلف الجنبات معلنا (الله أكبر) للتجاوب معه أعماق الضمير قائلة: نعم الله أكبر.
نداء وكأنه يد الغيب الرفيقة تمتد فتنتشل الناس من نسيانهم لتضعهم بين يدي ربهم الأكبر عزو جل، أمام مفاهيمهم ومشاعرهم وهدفهم من حياتهم الدنيا. وحياتهم العليا.
ضعيف هذا الإنسان عند ما يستغرق في كدحه فينسى كدحه ويستغرق في نفسه فينسى نفسه، ينسى أنه موجود في زاوية من كون الله الكبير وأنه لا بد تارك هذه الزاوية وعائد إلى قلب الكون ليلاقي هناك ربه وعمله. ولذلك كانت صلاة الظهر نعم الدواء، نعم العون على الضعف والمنعش للنفس.
والمسألة الثانية: التي يعالجها توقيت الصلاة بانتصاف النهار: مسألة تحديد