عز وجل مع هذا الوجود الحي القائم، في تكوينه إياه وإدارته له وتخطيطه لمستقبله، ثم تجعلك تتجاوب مع هذا الوجود ومليكه عز وجل وتحس بموقعك فيه وتحدد موقفك منه. في ألوان لا توصف من الشعور العميق بالله وبالوجود وبالحياة وبالمستقبل وبالمسؤولية.
لو تكلم صوفي مع الله عز وجل، لكلمه عن وجده وعشقه وأشواقه وسرحه وهيامه وفنائه في الذات المقدسة، أو عما شابه ذلك من ألوان العلاقات التي تفترضها الاتجاهات الصوفية مع الله عز وجل. بينما نرى التكلم الذي تفرضه السورة مع الله عمليا بكله، فهو يتركز على إطاعة الله والاستعانة به واستهدائه طريق الحياة القويم واستبعاد طريقيها المعوجين. وهذا هو الفارق بين العلاقة العملية الحياتية التي يريدها الإسلام مع الله عز وجل، وبين العلاقة المعلقة التائهة التي تريدها الصوفية.
يمكن وصف سورة الفاتحة بأنها تعامل عقائدي يتعامل به المسلم مع الله والوجود من وجهة نظر الإسلام التي يؤمن بها. ولكن السورة مع ذلك تحمل قوة الاستدلال العقائدي فهي تقدم للوجود وللتعامل معه صورة مسنودة بقوة اليقين والبداهة والسير العملي حتى لتهز أعماق غير المسلم، حينما يسمعها من المسلم في صلاته أو يقرؤها، وتستجيش عقله وقلبه.. وما ذلك إلا لأنها بقوتها وبداهتها تقول له: هذا هو الوجود، وهذا هو الموقف منه والتعامل معه. هذي هي الفطرة البشرية، وما سواها انحراف.
ثم ماذا أسجل عن هذه السورة عن بلاغة معانيها وعذوبة تعبيرها وإيقاع قوافيها متنقلة من الميم إلى النون، وعن شمولها واستيعابها وحيويتها؟
إنما هي لوحة للوجود بأكمله ولموقع الإنسان منه ودرب هداه فيه، صاغها من جوامع الكلم صائغ الوجود عز وجل متدفقة بالحياة حافلة بالعطاء.
عن النبي صلى الله عليه وآله قال " كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي