ذ التسلسل والترابط العقلي والشعوري في الحقائق التي تتضمنها سورة الفاتحة أمر مدهش: فمن ناحية عقلية تتدرج الحقائق كما يلي:
الابتداء باسم الله المتصف بالرحمة الذاتية الشاملة، أحق من يبدأ باسمه على شئ من أشياء كونه. الحمد على العطاء لصاحب هذا العطاء.
الالفات إلى عطاء التربية والإدارة والتنمية إضافة إلى عطاء الخلق والتكوين.
إن هذا العطاء الغامر في التكوين والتربية ينبع بشكل طبيعي من الرحمة الذاتية الشاملة.
ثم تأتي حقيقة يوم الدين وملكيته لله عز وجل له، ويوم الدين هو مرحلة إثمار الوجود ولقائه بالله عز وجل فهو حقيقة متفرعة من الرحمة الإلهية ومرتبطة بها.
ثم يأتي دور الإنسان في الإفادة من هذه الرحمة السخية ومسؤوليته تجاه يوم الدين.
ثم تتوالى التوجيهات العملية في إطاعة الله الرحمن الرحيم والاستعانة به والإنسلاك في طريق نعمائه القويم والاستعاذة من الطرق المنحرفة. فتجد أن كل حقيقة في السورة مرتبطة بالحقيقة التي قبلها ومتسلسلة عنها.
بل يمكنك أن تجد هذا الترابط والتسلسل بشكل أبلغ، تجد أن الحقيقة التالية مرتبطة بكافة الحقائق المتقدمة ومتفرعة عن كل واحدة منها: مثلا ملكية الله ليوم الدين متفرعة منطقيا عن رحمته وعن ربوبيته وعن تكوينه للوجود.
والاستعانة بالله متفرعة منطقيا عن الالتزام بعبادته وعن ملكيته ليوم الدين وعن رحمته وربوبيته وتكوينه. وانحراف المغضوب عليهم والضالين يرتبط ويتفرع عن كل ما قبله، لأنه انحراف عن الصراط المستقيم وعن الاستعانة والإطاعة وعن مسؤولية يوم الدين وعن الإفادة من الرحمة والتربية والتكوين الإلهي.!
ومن ناحية شعورية: تتدرج السورة بمشاعرك وهي تحكي لك قصة الله