الأشياء والالتزام بالاستعانة به وحده والتحرر من الفقر إلى الأشياء، إياك نعبد وإياك نستعين.
ثم تحضر لك الأجيال البشرية منذ الأب الأول وحتى الأبوين الأخير فتراهم ساربين في ثلاث طرق يتميز واحد منها بالجلال والإشراق، فتقول لك: أطلب من الله هذا الطريق لتقطع به مسيرتك بجدارة وشرف فتطلب من الله: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم.
ثم ترجو أن لا يكون أحد الطريقين الآخرين العاثرين: طريق المغضوب عليهم والضالين. وكذلك تودعك السورة وقد حددت موقعك في الجماعة البشرية وملأت قلبك بالإشفاق على خطواتك من طريق الغضب والتيه.
أصح ما توصف به سورة الفاتحة أنها: صورة كاملة للوجود وللتعامل معه، وهذا ما يفسر لنا اختيارها مقدمة القرآن الكريم ومقابلتها به في قوله تعالى (ولقد آتيناك سبعا من المثاني، والقرآن العظيم.) فإن القرآن الكريم صور تفصيلية للوجود والتعامل معه، فناسب أن يفتتح التفصيل بهذا الموجز المعبر وأن يقابل به مقابلة المعنون بالعنوان.
أما طبيعة هذه الصورة التي تقدمها الفاتحة للوجود فهي: الرحمة، الرحمة المؤكدة المتنوعة في التكوين والتربية والإعانة والهداية. فيض ذاتي لا يقف عند حد.
وأما طبيعة التعامل الذي تمليه السورة فهو: المسؤولية والإشفاق المغموران بالرحمة، مسؤولية يوم الدين الذي يملكه الرحمن الرحيم، ومسؤولية الاستقامة مع أحباء الرحمن الرحيم. والإشفاق من طريق الذين حرموا أنفسهم من هذه الرحمة الميسرة، الذين تحذر منهم السورة وتستثنيهم بصيغة (المغضوب عليهم ولا الضالين) لا بصيغة: الذين غضب الله عليهم وأضلهم، وانسجاما مع طبيعة الرحمة الغامرة في السورة، وإلفاتا إلى أن الفعل الأساس لله عز وجل هو الرحمة ثم الرحمة والعطاء، وأن هذا الغضب والضلال جاءا من فعل أيديهم وخبث سرائرهم.