والأمر الآخر الذي يتجلى في شكل الصلاة هو تذليل الإنسان وتحريره من كبريائه. ولا بد لنا أن ننظر إلى مسألة الكبرياء البشري نظرة موضوعية هادئة لأنها تمس كبريائنا:
في أحدنا هذا المتر المكعب من التراب أو دون ذلك قوى هائلة، وعمدتها القوى النفسية في مقابل القوى الجسدية المحدودة.
وفينا من الطموح ما لا يقل عن قوانا واستعدادنا بل يفوقه.
وبنفس الوقت فينا من نقاط الضعف ما يمكن أن يحطم قوانا الجسدية فيجعلنا في لحظة جسدا خائرا، أو يضعف بقوانا العقلية فيجعلنا في لحظة موجودا تافها.
هكذا بنى الله وجودنا الإنساني وأسلمنا قياده. وهذه هي النظرة الموضوعية التي يجب أن ننظرها إلى أنفسنا.
لكن الذي يحدث كثيرا هو الانحراف عن هذه النظرة، فنصاب تارة بالعجب وتارة بالكبر.
وقد ذكر صاحب كتاب جامع السعادات رحمه الله أن الكبر ينتج عن العجب، قال:
".. إذ العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار رؤيتها فوق الغير. فالعجب هو سبب الكبر والكبر من نتائجه " ج 1 ص 300، ولكن الذي يظهر من نصوص السنة الشريفة أن الكبر والعجب حالتان مختلفتان، وأن العجب هو استعظام الإنسان لعمله، وأن الكبر هو استعظام الإنسان لنفسه ذاتها بقطع النظر عن العمل (راجع الكافي ج 309 314).
وللكبر عوامل كثيرة يجمعها الشعور بالنقص، ففي الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام قال: " ما من أحد يتيه إلا من ذلة يجدها في نفسه " الكافي ج 2 ص 312.
كما أنه على درجات كثيرة يجمعها أنها نظرة خاطئة ينظرها الإنسان إلى نفسه فيستعظم قواه ومطامحه ناسيا مصدر هذه القوى وناسيا نقاط ضعفه.