حتى وقف على شفير البئر فرفع طرفه إلى السماء ونادى: يا عظيم الأسماء يا باسط الأرض ويا رافع السماء قد أضر بنا الظمأ فاسقنا الماء، فإذا بالحجارة والرمل قد تصلصلت وعين الماء قد نبعت وتفجرت وجرى الماء من تحت أقدامه فسقى القوم دوابهم وملؤوا قربهم وساروا.
وسار العبد إلى مولاه وقال: ما وراءك يا فلاح؟
وقال: والله ما أفلح من عادى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وحدثهم بما عاين منه، فامتلى أبو جهل غيظا وقال للعبد: غيب وجهك عني فلا أفلحت أبدا، ثم سار حتى وصل واديا من أودية الشام يقال له ذبيان وكان كثير الأشجار إذ خرج من ذلك الوادي ثعبان عظيم كأنه النخلة السحوق ففتح فاه وزفر وخرج من عينيه الشرار فجفلت منه ناقة أبي جهل لعنه الله ولعبت بيديها ورجليها ورمته فكسرت أضلاعه فغشي عليه، فلما أفاق قال لعبيده:
تأخروا إلى جانب الطريق فإذا جاء ركب بني هاشم قد أقبل يقدمهم محمد قدموه علينا حتى إذا رأت ناقته الثعبان فعسى أن ترميه إلى الأرض فيموت، ففعل العبيد ما أمرهم به.
وإذا بركب بني هاشم قد أقبل يقدمهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
يا بن هشام أراكم قد نزلتم وليس هو وقت نزولكم؟
فقال له: يا محمد والله قد استحييت أن أتقدم عليك وأنت سيد أهل الصفا وأعلا حسبا ونسبا فتقدم فلعن الله من يبغضك.
ففرح العباس بذلك وأراد العباس أن يتقدم فنحاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: