أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أفضل من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يرد جوابا.
وساروا حتى نزلوا على بئر وكان تنزل عليه العرب في طريق الشام، فقال أبو جهل: والله لأجد في نفسي غبنة عظيمة إن رد محمد من سفره هذا سالما، ولقد عزمت على قتله وكيف لي بالحيلة في قتله وهو ينظر من ورائه كما ينظر من أمامه ولكن أفعل فسوف تنظرون، ثم عمد إلى الرمل والحصى وملأ حجره وكبس به البئر.
فقال أصحابه: ولم تفعل ذلك؟ فقال: أريد دفن البئر حتى إذا جاء ركب بني هاشم وقد أجهدهم العطش فيموتوا عن آخرهم، فبادر القوم بالرمل والحصى ولم يتركوا للبئر أثرا.
فقال أبو جهل لعنه الله: الآن قد بلغت مرادي، ثم التفت إلى عبد له اسمه فلاح وقال له: خذ هذه الراحلة وهذه القربة والزاد واختف تحت الجبل فإذا جاء ركب بني هاشم يقدمهم محمد وقد أجهدهم العطش والتعب ولم يجدوا للبئر أثرا فيموتوا فأتني بخبرهم فإذا أتيتني وبشرتني بموتهم أعتقتك وزوجتك بمن تريد من أهل مكة.
فقال: حبا وكرامة.
ثم سار أبو جهل وتأخر العبد كما أمره مولاه وإذا بركب بني هاشم قد أقبل يقدمهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبادر القوم إلى البئر فلم يجدوا له أثرا فضاقت صدورهم وأيقنوا بالهلاك فلاذوا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال لهم: هل هنا موضع يعرف بالماء؟ قالوا: نعم بئر قد ردمت بالرمل والحجارة، فمشى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)