أصلها لمباشرة الإلباس، لكنا نعلم أن الغني إذا قال للفقير: كسوتك هذا الثوب يعني أني باشرت إلباسك إياه، فإذا تعذر حمله على الوضع حمل على العرف وهو العطية»، انتهى.
وبذلك يظهر أن المنشأ للتحكم في قول البخاري على أبي حنيفة هو رواية أبي هريرة: «فأخدمها هاجر»، فلفظة الإخدام عنده للتمليك، فأخذ بظاهرها على من يؤول.
الثالث: في الهبة أيضا قال البخاري:
«إذا حمل رجل على فرس فهو كالعمرى والصدقة.
وقال بعض الناس: له أن يرجع فيها». (1) وهذه المسألة أيضا من المسائل الخلافية بين البخاري وأبي حنيفة، فكما مر في المسألة السابقة: أن المال الموهوب يتملك ويتصرف فيه دون العارية المشروطة، فالبخاري مثل للهبة بالعمرى والصدقة.
أما العمرى فلقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «من أعمر عمرى فهي للمعمر له ولورثته من بعده».
وأما الصدقة: فإنه يراد بها وجه الله تعالى، فيقع القبض لله تعالى. وإنما يصير للفقير نيابة عن الله تعالى، بحكم الرزق الموعود، فلا يبقى محل للرجوع. (2) ولذلك فإنه أورد تحت ترجمة «باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته» (3) روايات، وحكم بعدم جواز الرجوع في الهبة.
وأما مذهب «أبي حنيفة» في ذلك فهو: «أن للواهب أن يرجع إلى هبته».