أما البخاري فيقول: لا فرق بين قول: «أخدمتك هذه الجارية» و «كسوتك هذا الثوب» في وقوعهما هبة، بناء على أن قوله: «وإن كسوتك» تتمة قول أبي حنيفة في المسألة.
وفي ذلك يقول الكرماني في شرح قوله: «كسوتك هذا الثوب»: «يحتمل أن يكون من تتمه قول الحنفية، ومقصود المؤلف منه: أنهم تحكموا حيث قالوا ذلك عارية، وهذا هبة. ويحتمل أن يكون عطفا على الترجمة». (١) فعلى هذا يكون مراد البخاري هو: المساواة بين الفرعين.
ثم ذكر البخاري في ذلك رواية ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله):
«فأخدمها هاجر». (٢) ومراده: أن لفظ الإخدام للتمليك، كما أن لفظ الكسوة كذلك.
وقد عارضه في ذلك ابن بطال، فقال: «لا أعلم خلافا أن من قال: أخدمتك هذه الجارية أنه قد وهب له الخدمة خاصة، فإن الإخدام لا يقتضي تمليك الرقبة، كما أن الإسكان لا يقتضي تمليك الدار.
واستدلال البخاري بقوله: «فأخدمها هاجر» على الهبة لا يصح، وإنما صحت الهبة في هذه القصة من قوله: فأعطوها هاجر»، إنتهى.
وقال أيضا: «لم يختلف العلماء أنه إذا قال: كسوتك هذا الثوب مدة يسميها، فله شرطه، وإن لم يذكر حدا فهو هبة، لأن لفظ الكسوة يقتضي الهبة، لقوله تعالى:
﴿فكفارته إطعام عشرة مساكين... أو كسوتهم﴾ (3)، ولا تختلف الأمة أن ذلك تمليك للطعام والكسوة». (4) وقال ابن المنير: «الكسوة للتمليك بلا شك، لأن ظاهرها الأصلي لا يراد، إذ