وقد بدأ ذلك في إقامة عبد الله بن مسعود في الكوفة، وترويجه للرأي والنظر، وجاء بعده علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، ومن بعدهما إبراهيم بن يزيد النخعي مروج الرأي والنظر في الطعن على الأخبار، وفي ثلب الصحابة، خاصة أبي هريرة وقال فيه: «إنه لم يكن فقيها».
ثم أخذ حماد بن أبي سليمان علمه من إبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان الكوفي هو أيضا شيخ أبي حنيفة.
وهذه السلسلة في تأسيس مذهب الرأي شكلت رؤساء مذهب أبي حنيفة. نعم!
كان أبو حنيفة أقدرهم في استخدام القياس، أو ترجيحه على الحديث وأخبار الآحاد.
أبو حنيفة وولاؤه للعلويين قال الشرقاوي: ولقد شهد أبو حنيفة في طفولته فظائع الحجاج والي العراق وبطشه بكل من يعارض الأمويين حتى الفقهاء الأجلاء، فدخل في نفسه منذ صباه عزوف عن الأمويين واستنكار لاستبدادهم، ورفض للطغيان... ثم إنه ورث عن أبيه وأمه حبا لآل البيت، فما كان في ذلك العصر رجال ينبذون التفرقة بين المسلمين العرب وغير العرب إلا آل البيت. وقد تمكن حب آل البيت من قلبه عندما تعرف على أئمتهم وتلقى عنهم، وعندما عاين أشكال الاضطهاد التي يكابدونها في كل نهار وليل!..
حتى لقد شاهد الإمام الصادق واقفا يستمع إليه وهو يفتي في المدينة فوقف قائلا: «يا ابن رسول الله، لا يراني الله جالسا وأنت واقف». (1) أما عن مواقفه في تأييد آل البيت فقد أعلن أن العلويين أولى بالحكم من العباسيين، وجاهر بالإنحياز إلى العلويين. ولم يكتم هذا الميل قط، وظل يذيعه بلا تهيب!