وروى أيضا: حدثني محمد بن علي الصوري إملاء انا، عبد الرحمن بن عمر المصري، نا محمد بن أحمد بن عبد الله بن وركان العامري، نا إبراهيم بن أبي داود، نا علي بن معبد، نا عبيد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى الأعمش، فسأله عن مسألة وأبو حنيفة جالس، فقال الأعمش: يا نعمان! قل فيها، فأجابه، فقال الأعمش: من أين قلت هذا؟ فقال: من حديثك الذي حدثتناه، قال: «نعم! نحن صيادلة وأنتم أطباء». (1) وفي رواية: فكان الأعمش يقول: يا معشر الفقهاء! أنتم الأطباء ونحن الصيادلة. (2) موقف الظاهرية من الرأي والاجتهاد يعرف الأصوليون الاجتهاد بأنه بذل الجهد للتوصل إلى الحكم الشرعي بالتفكير، واستخدام الوسائل التي هدى الشرع إليها للاستنباط فيما لا نص فيه.
فعند الظاهرية الاجتهاد بالرأي مردود، لأن الرأي عندهم هو الحكم بغير النص، أو الحكم المستمد من غير الاصول التي ارتضاها أهل الظاهر، كالقياس، والمصلحة، والاستحسان، والذرائع، وما بنيت عليه هذه الاصول من تعليل الأحكام، ولذلك قالوا:
«لا يجوز الحكم بالرأي، ولا يحل العمل به لأحد من المسلمين».
ولقد عرف ابن حزم الأندلسي الظاهري بقوله: «الرأي: ما تخيلته النفس صوابا دون برهان، ولا يجوز الحكم به أصلا». (3) وقد يعبر عنه بالبدعة المستحدثة والقول على الله تعالى بغير علم، فيقول: «فقد صح أن القول بالقياس والتعليل باطل وكذب، وقول على الله تعالى بغير علم، وحرام لا