قيل له: أما بلغك حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)؟
قال: بلى! ولكن أقول: قال عمر، وقال عبد الله، وقال علقمة، وقال الأسود، أجد ذلك أهون علي»!! (1) القرن الثاني تشددت الخلافات والتعصبات المتكونة والمنتمية للقرن الأول، وزادت التنافسات العميقة في هذا القرن، واتسعت دائرتها في البلاد، وأقبل العلماء على التفقه في الدين، حتى بدأ بعد منتصف هذا القرن المذهب الحنفي، وفي أواخره المذهب المالكي.
وقال في ذلك الدكتور عبد المجيد محمود في «الاتجاهات الفقهية»:
«فالعراقيون بعامة، حيث تعددت وتنوعت منابع الثقافة عندهم من الكتب المترجمة والفلسفات المتنوعة، وحيث كثرت عندهم المناظرات العقلية... وأبو حنيفة بخاصة، حيث اشتغل بعلم الكلام حتى غلبت عليه الثقافة الكلامية، كان لا بد أن ينطبع فقههم بطابع استخراج العلل، وتعميم الأحكام، وربط الفروع بعضها ببعض.
وقد أعانت أبا حنيفة كثرة الفروع في زمنه على تطبيق منهجه العقلي، فكل جيل كان يحفظ المسائل التي كانت قبله، ويضيف إليها ما جد من فروع، ثم يسلم هذه الحصيلة إلى الجيل التالي له، ليصنع فيها مثل هذا الصنيع، فيثرى الفقه بذلك وتكثر فروعه، فإذا صادفت هذه الحصيلة المثرية من الفروع عقلية قياسية كعقلية أبي حنيفة اتجهت فورا إلى تجميع هذه الفروع وربطها ما أمكن بقواعد عامة.
أما المدنيون، حيث لم تتعقد الحياة عندهم، وحيث العرف الإسلامي هو الشائع الغالب على مجتمعهم، وحيث كانوا بعيدين عن الثقافات الأجنبية المستوردة، فقد