نقد أهل الحديث على الظاهرية قد فصل ابن القيم في نقد أهل الظاهر بكتابه «أعلام الموقعين»، فقال: «فقد أحسنوا في اعتنائهم بالنصوص، ونصرها والمحافظة عليها، وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أو قياس أو تقليد، وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة، وفي بيان تناقض أهلها، وأخذهم بالقياس، وتركهم ما هو أولى منه. ولكنهم أخطأوا من أربعة أوجه:
أحدها: رد القياس الصحيح، ولا سيما المنصوص على علته التي يجري النص عليها مجرى التنصيص على التعميم باللفظ. ولا يستريب عاقل في أن من قال لغيره: لا تأكل هذا الطعام فإنه مسموم، قد نهاه عن كل طعام كذلك.
ثانيا: تقصيرهم في فهم النصوص، فكم من حكم دل عليه النص ولم يفهموا دلالته عليه؟!
وسبب هذا الخطأ: حصرهم الدلالة في مجرد ظاهر اللفظ، دون إيمائه وتنبيهه وإشارته وعرفه عند المخاطبين، فلم يفهموا من قوله تعالى: ﴿فلا تقل لهما أف﴾ (1) ضربا ولا سبا ولا إهانة غير لفظة «أف»!
الثالث: تحميل الاستصحاب فوق ما يستحقه، وجزمهم بموجبه لعدم علمهم بالناقل، وليس عدم العلم علما بالعدم، لأنهم لما سدوا على أنفسهم باب التمثيل والتعليل، واعتبار الحكم والمصالح، احتاجوا إلى توسعة الظاهر والاستصحاب، فحملوهما فوق الحجة، ووسعوهما لأكثر مما يسعانه، فحيث فهموا من النص حكما أثبتوا ولم يبالوا بما وراءه، وحيث لم يفهموا منه نفوه وحملوا الاستصحاب.
الرابع: هو اعتقادهم أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملاتهم كلها على البطلان، حتى يقوم دليل على الصحة، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحة شرط أو عقد