بين البخاري والحنفية فصلنا القول في أن البخاري خالف أهل الرأي وألف في رد آرائهم الفقهية وفي الاعتقاد، وكذا في تراجمه الرجالية في تضعيف أبي حنيفة وأصحابه من أهل الرأي.
أما في كتبه الفقهية فقد صنف «الصحيح»، وأجزاء مستقلة خارج «الصحيح»، كما مر ذلك.
وأما الخصومة الواقعة بينه وبين أبي حنيفة فهي ناشئة من الاعتقاد في الأصول، لا في الرأي والنظر والاختلاف في الاجتهاد، ولا كالمنازعات بين الأقران والبلدان حتى تؤول بتأويلات واهية، بل نجده يشير إليه في قوله: «بعض الناس» ويراه مخالفا للسنن، وخارجا عن دائرة الإسلام.
وقد سبق في ترجمة أبي حنيفة من مواجهته للطائفتين من خصومه، الخلفاء والنواصب من المحدثين وتكفيره، فعلى ذلك ليس الخلاف بين البخاري وأبي حنيفة مقتصرا على المسائل التي رد فيها على قوله: «بعض الناس»، بل توجد مسائل أخرى كثيرة في صحيحه وفي غيره من الأجزاء المستقلة لم يذكر فيها قول: «بعض الناس»، بل خالفه بذكر رأيه، كما تأتي الإشارة إلى بعض موارده في آخر الكتاب.
البخاري وكتبه الفقهية في الرد على الحنفية الدارس في البخاري وكتبه الفقهية يجد له أجزاء متفردة مستقلة في بعض الفروع الفقهية خارج صحيحه، وعند النظر في آرائه الفقهية وشخصيته في الحديث يتبين أن له عقدة من أبي حنيفة، وأهل الرأي المنكرين للحجية في الأخبار.
وقد اختص البخاري في أربعة من كتبه بالمسائل الفقهية الخلافية التي كانت في زمانه معتركا للآراء، وسببا للمنازعات الشديدة بين المحدثين وأهل الرأي.
ففي الصحيح - كما يأتي الكلام فيه -: أن البخاري قبل أن يقوم بجمع الأحاديث الصحيحة وطرقها، نهض لمحاربة فكر الحنفية، ولذلك هيأ الأسباب والوسائل لذلك.
فائتلف مع جمع من معاصريه ومشايخه من أهل الحديث الذين كانوا يتقربون إلى