الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي - الصفحة ٤٩١
ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض (1)، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض (2)، وخلوتم بالدعة (3)، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم (4)، ودسعتم الذي تسوغتم (5)، " فإن تكفروا (6) أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني
(١) الرؤية هنا بمعنى العلم أو بالنظر بالعين، وأخلد إليه: ركن ومال. والخفض بالفتح: سعة العيش.
(٢) المراد بمن هو أحق بالبسط والقبض أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وصيغة التفضيل مثلها في قوله تعالى: " قل أذلك خير أم جنة الخلد ".
(٣) خلوت الشئ: انفردت به واجتمعت معه في خلوة. والدعة: الراحة والسكون.
(٤) مج الشراب من فيه: رمى به. و " وعيتم " أي حفظتم.
(٥) الدسع، كالمنع: الدفع والقئ وإخراج البعير جرته إلى فيه. وساغ الشراب يسوغ سوغا: إذا سهل مدخله في الحلق، وتسوغه: شربه بسهولة.
(٦) صيغة " تكفروا " في كلامها عليها السلام إما من الكفران وترك الشرك كما هو الظاهر من سياق الكلام المجيد حيث قال تعالى: " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ". وقال موسى: " وإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد " أو من الكفر بالمعنى الأخص. والتغيير في المعنى لا ينافي الاقتباس، مع أن في الآية أيضا يحتمل هذا المعنى. والمراد أن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا من الثقلين فلا يضر ذلك إلا أنفسكم فإنه سبحانه غني عن شكركم وطاعتكم، مستحق للحمد في ذاته، أو محمود تحمده الملائكة بل جميع الموجودات بلسان الحال، وضرر الكفران عائد إليكم حيث حرمتم من فضله تعالى ومزيد إنعامه وإكرامه. والحاصل إنكم إنما تركتم الإمام بالحق، وخلعتم بيعته من رقابكم، ورضيتم ببيعة أبي بكر لعلمكم بأن أمير المؤمنين عليه السلام لا يتهاون ولا يداهن في دين الله ولا تأخذه في الله لومة لائم، ويأمركم بارتكاب الشدائد في الجهاد وغيره، وترك ما تشتهون من زخارف الدنيا، ويقسم الفئ بينكم بالسوية، ولا يفضل الرؤساء والأمراء، وأن أبا بكر رجل سلس القياد، مداهن في الدين لإرضاء العباد، فلذا رفضتم الإيمان، وخرجتم عن طاعته سبحانه إلى طاعة الشيطان، ولا يعود وباله إلا إليكم. وفي الكشف: " إلا وقد أرى - أن قد أخلدتم إلى الخفض وركنتم إلى الدعة فمججتم الذي أوعيتم، ولفظتم الذي سوغتم " وفي رواية ابن أبي طاهر: " فعجتم عن الدين ". يقال: ركن إليه بفتح الكاف - وقد يكسر - أي مال إليه وسكن. وقال الجوهري: " وعجت بالمكان أعوج أي أقمت به. وعجت غيري، يتعدى ولا يتعدى. وعجت البعير: عطفت رأسه بالزمام. والعايج:
الواقف. وذكر ابن الأعرابي: فلأن ما يعوج عن شئ أي ما يرجع عنه ".