ما يحتاج بيان مقدمات وأمور توصلنا إلى هذه النتيجة وهذا ما سنبحثه في الأمر الثالث إن شاء الله.
الأمر الثالث كيف كانت فاطمة (عليها السلام) حجة على الأئمة؟
وهذا يتوقف على بيان أمرين:
الأول: إن من أهم المسائل الأساسية في العقيدة الإسلامية والتي تؤخذ حيزا كبيرا، على المستوى الدراسي سواء النظري أو الفكري هي مسألة ضرورة بعثة الأنبياء، وهذه المسألة العقائدية المهمة تأخذ ضروريتها من عدة عوامل تكون الحجر الأساسي لهذه الضرورة، فالإنسان لم يخلق عبثا * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) * بل خلق الإنسان لهدف وهو السير في طريق تكامله من خلال ممارسة الأفعال الاختيارية القادر عليها وكل ذلك لأجل التوصل إلى كماله النهائي هذا الكمال الذي لا يتوصل إليه إلا باختياره وانتخابه. على أن الاختيار الصحيح والواعي بكل ما يمتلكه الإنسان من شعور وقدرة على أدائه يحتاج أيضا إلى المعرفة الصحيحة للأعمال الحسنة والأعمال القبيحة والطرق الصالحة وغير الصالحة، وإنما تمكن الإنسان من اختيار طريق تكامله بكل حرية ووعي فيما لو كان يعرف الهدف وطريق الوصول إليه، وكان عارفا بكل العقبات والعراقيل والانحرافات والمزالق. إذن فمقتضى الحكمة الإلهية أن توفر للبشر الوسائل والمستلزمات الضرورية للحصول على مثل هذه المعارف والمدركات وإلا فيكون حاله مثل الشخص الذي يدعو ضيفا إلى داره ثم لا يدله على موضعه ولا على الطريق المؤدي إليه ومن البديهي أن مثل هذا العمل مخالف للحكمة. على أن المعارف والمدركات البشرية العادية والمتعارفة والتي يحصل عليها الإنسان نتيجة التعاون بين الحس والعقل وإن كان لها الدور الفاعل في توفير ما يحتاج إليه في حياته ولكنها لا تكفي في التعرف على طريق الكمال والسعادة