الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي - الصفحة ٤٩٠
ودر حلب الأيام (1)، وخضعت نعرة الشرك (2)، وسكنت فورة الإفك (3)، وخمدت نيران الكفر (4)، وهدأت دعوة الهرج (5)، واستوسق نظام الدين (6)، فأنى جرتم بعد البيان (7)، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام (8)، وأشركتم بعد الإيمان؟ " ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين (9) " (10).
(١) در اللبن: جريانه وكثرته. والحلب بالفتح: استخراج ما في الضرع من اللبن، وبالتحريك:
اللبن المحلوب، والثاني أظهر للزوم ارتكاب تجوز في الاستناد، أو في المسند إليه على الأول.
(٢) والنعرة بالنون والراء المهملتين مثال همزة: الخيشوم والخيلاء والكبر أو بفتح النون من قولهم نعر العرق بالدم أي فار. فيكون الخضوع بمعنى السكون، أو بالغين المعجمة من نغرت القدر أي فارت. وقال الجوهري " نغر الرجل - بالكسر - أي اغتاض. قال الأصمعي: هو الذي يغلي جوفه من الغيظ. وقال ابن السكيت: يقال: ظل فلان يتنعر على فلان أي يتذمر عليه ". وفي أكثر النسخ بالثاء المثلثة المضمومة والغين المعجمة وهي نقرة النحر بين الترقوتين. فخضوع ثغرة الشرك كناية عن محقه وسقوطه كالحيوان الساقط على الأرض، نظيره قول أمير المؤمنين - صلوات الله عليه وسلامه عليه -: " أنا وضعت كلكل العرب " أي صدورهم.
(٣) الإفك، بالكسر: الكذب وفورة الإفك: غليانه وهيجانه.
(٤) خمدت النار: أي سكن لهبها ولم يطفأ جمرها. ويقال: همدت - بالهاء - إذا طفي جمرها. وفيه إشعار بنفاق بعضهم وبقاء مادة الكفر في قلوبهم. وفي رواية ابن أبي طاهر: " وبأخت نيران الحرب " قال الجوهري: " بأخ الحر والنار والغضب والحمى أي سكن وفتر ".
(٥) هدأت أي، سكنت، والهرج: الفتنة والاختلاط. وفي الحديث: الهرج القتل.
(٦) استوسق أي اجتمع وانضم، من الوسق بالفتح وهو ضم الشئ إلى الشئ، واتساق الشئ:
انتظامه. وفي الكشف: " فناويتم العرب، وبادهتم الأمور (إلى قولها (عليها السلام) حتى دارت لكم بنا رحى الإسلام، ودر حلب البلاد وخبت نيران الحرب " يقال: بدهه بأمر أي استقبله به، وبادهه: فاجأه.
(٧) كلمة " أنى " ظرف مكان بمعنى " أين " وقد يكون بمعنى " كيف " أي من أين حرتم وما كان منشأه؟ و " جرتم " أما بالجيم من الجور وهو الميل عن القصد والعدول عن الطريق، أي لماذا تركتم سبيل الحق بعد ما تبين لكم. أو بالحاء المهملة المضمومة من الحور بمعنى الرجوع أو النقصان، يقال : " نعوذ بالله من الحور بعد الكور " أي من النقصان بعد الزيادة، وأما بكسرها من الحيرة.
(٨) النكوص: الرجوع إلى الخلف.
(٩) التوبة: ١٣.
(10) نكث العهد، بالفتح: نقضه والإيمان جمع يمين وهو القسم. والمشهور بين المفسرين أن الآية نزلت في اليهود الذين نقضوا عهودهم، وخرجوا مع الأحزاب، وهموا بإخراج الرسول من المدينة، وبدأوا بنقض العهد والقتال. وقيل: نزلت في مشركي قريش وأهل مكة حيث نقضوا أيمانهم التي عقدوها مع الرسول والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم أعدائهم، فعاونوا بني بكر على خزاعة، وقصدوا إخراج الرسول صلى الله عليه وآله من مكة حين تشاوروا بدار الندوة وأتاهم إبليس بصورة شيخ نجدي - إلى آخر ما مر في القصة -، فهم بدأوا بالمعاداة والمقاتلة في هذا الوقت، أو في يوم بدر، أو بنقض العهد، والمراد بالقوم الذين نكثوا أيمانهم في كلامها - صلوات الله عليها - أما الذين نزلت فيهم الآية، فالغرض بيان وجوبقتال الغاصبين للإمامة ولحقها، الناكثين لما عهد إليهم الرسول صلى الله عليه وآله في وصيه (عليه السلام) وذوي قرباه وفي أهل بيته كما وجب بأمره سبحانه قتال من نزلت الآية فيهم. أو المراد بهم الغاصبون لحق هل البيت عليهم السلام، فالمراد بنكثهم أيمانهم نقض ما عهدوا إلى الرسول حين بايعوه من الانقياد له في أوامره والانتهاء عند نواهيه وأن لا يضمروا له العداوة، فنقضوه وناقضوا ما أمرهم به، والمراد بقصدهم إخراج الرسول عزمهم على إخراج من كنفس الرسول وقائم مقامه بأمر الله وأمره عن مقام الخلافة، وعلى إبطال أوامره ووصاياه في أهل بيته النازل منزلة إخراجه من مستقره وحينئذ يكون من قبيل الاقتباس.
وفي بعض الروايات: " لقوم نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم ".
فقوله " لقوم " متعلق بقوله " تخشونهم ".