وباشروا ردح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه، آه، آه! شوقا إلى رؤيتهم ".
وإذ فرغنا من كلامه في كتمان الأسرار والمبالغة فيه بقدر هذا المقام، فلنشرع فيه من كلام الأئمة المعصومين من أولاده (عليهم السلام) تأكيدا ومبالغة في هذه المقدمة، وإن قيل: يكفي في هذه المقدمة ما قدمتم من آية أو آيتين، وخبر أو خبرين لأن المقصود يحصل منهما، فلا فائدة في التطويل وزيادة في الكلام؟ أجيب عنه بأن المراد ليس نفس الإخفاء ولا الكتمان، بل هناك غرض آخر يفهم من البحث الآتي في آخر هذه العجالة وهو معرفة حقيقة السر المستودع في فاطمة وهل هو ظاهر أم مستور ستره الله عن جميع البشر إلا الأولياء الخلص، وبقية الأغراض سوف تظهر من بعد ذلك.
ومنها قول الأئمة المعصومين من أهل بيت النبي - صلوات الله عليهم أجمعين - وهو أنه مروي برواية صحيحة عن أحدهم (عليهم السلام) قال: " أن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان "، وقال: " خالطوا الناس بما يعرفون ودعوهم بما ينكرون، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا، أن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان " (1).
وروى محمد بن عبد الجبار عن الحسين بن الحسين اللؤلؤي عن محمد بن الهيثم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثمالي، قال: " سمعت أبا جعفر " يعني الإمام الباقر " - يقول: أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. ثم قال: يا أبا حمزة! ألست تعلم أن من الملائكة مقربا وغير مقرب؟ ومن النبيين مرسلا، وغير مرسل؟ وفي المؤمنين ممتحنا وغير ممتحن؟ قال: قلت بلى؟ ألا ترى صعوبة أمرنا؟ إن الله تعالى أختار له من الملائكة المقرب ومن النبيين المرسل ومن المؤمنين الممتحن ".