يستنشق من طرف اليمن روائح أنفاسه الشريفة من حيث الباطن أو الظاهر: " أني لأستنشق روح الرحمن من طرف اليمن " وورد " من ناحية اليمن " و " من قبل اليمن " وقد سأله سلمان عن هذا الشخص فقال له (عليه السلام): " إن باليمن لشخصا يقال له: " أويس القرني يحشر يوم القيامة أمة وحده يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، ألا من رآه منكم فليقرأه عني السلام، وليأمره أن يدعو لي ".
وإلى غلبة هذه الأسرار بالنسبة إليه في بعض الأوقات قال:
" لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " والمراد أن لي مع الله حالات وأوقات لا يمكن أن يطلع عليها أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غيرهم من المخلوقات، وكأنه يشير إلى أنه ما تنكشف عليه هذه الأسرار ولا تتجلى له هذه الأنوار إلا عنده تجرده عن جميع التعلقات الروحانية والجسمانية - حتى النبوة والرسالة - وعن جبرئيل وإبلاغه أيضا لقوله (عليه السلام): " لو دنوت أنملة لاحترقت " وبالحقيقة المعراج عبارة عن هذا المقام، إن أريد به المعراج المعنوي، وإن أريد به المعراج الصوري فهو ظاهر وقد عبر (عليه السلام) عن شدة تعلقه بالنبوة والرسالة ومنعهما من الوصول إلى حضرة الحق جل جلاله وقال حين خلاصه عنهم لحظة " لا يسعني فيه ملك مقرب أي جبرئيل وإبلاغه " ولا نبي مرسل " أي النبوة ورسالتهما لأن الرسالة إبلاغ ما حصل عن النبوة وإلى هذا المقام أشار - جل ذكره - " ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته " وأمثال ذلك كثيرة. والغرض منه أن إخفاء أسرار الله تعالى - خصوصا الأسرار المتعلقة بهم - واجب من غير أهلها لأنها لا زالت كذلك أي مخفية عن غير أهلها، مودعة عند أهلها، وإذا عرفت هذا فلنرجع إلى قول الأولياء (عليهم السلام) ونبين هذا بقول أعظمهم وأكملهم الذي هو أمير المؤمنين (عليه السلام) كما فعلنا في الأنبياء أعني اكتفينا منهم بأعظمهم وأكملهم الذي هو نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأقواله في هذا الباب كثيرة نذكر منها أحسنها وألطفها، وهو ما جرى بينه وبين كميل بن زياد النخعي (رحمهم الله) الذي كان من أخص تلامذته وأعظم أصحابه وإليه تنسب خرقة الموحدين وطريقة المتحققين حين سأله عن " الحقيقة "، بقوله " ما الحقيقة! " فقال له (عليه السلام): " ما لك والحقيقة؟ " يعني من أنت