والسؤال عن الحقيقة ولست بأهلها! فقال كميل: " أولست بصاحب سرك؟ " قال:
" بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني " يعني أنت صاحب سري ومن أخص تلامذتي ولكن لست بأهل لمثل هذا السر والاطلاع عليه لأنه " يرشح عليك ما يطفح مني " و " إلا كان الأمر " يضرك ويضرني لأن ظرفك لا يحتمل فوق قدرك، وأنا مأمور بوضع الشئ في موضعه، فقال كميل: " أو مثلك يخيب سائلا؟ " أي مثلك في العلوم والحقائق والاطلاع على استعداد كل سائل " يخيب سائلا " أي يمنعه عن حقه ويجعله محروما عن مراده، خائبا عن مقصوده، ساكتا عن جوابه؟ لا والله بل يجب عليك وعلى مثلك جواب كل واحد منهم بقدر استعداده وفهمه وإدراكه مطاوعة لقوله تعالى: * (أما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث) * وأسوة نبيك (صلى الله عليه وآله وسلم) لقوله " كلموا الناس على قدر عقولهم ". فشرع الإمام (عليه السلام) بعد ذلك في بيانه وقال: الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة، فقال كميل: زدني فيه بيانا، قال الإمام (عليه السلام):
صحو الموهوم مع محو المعلوم.
قال كميل: زدني فيه بيانا، قال الإمام (عليه السلام): هتك السر لغلبة الستر. قال كميل: زدني فيه بيانا. قال الإمام (عليه السلام): نور يشرق من صبح الأزل، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره. قال كميل: زدني فيه بيانا، قال الإمام (عليه السلام): أطف السراج، فقد طلع الصبح.
وهذا الكلام يحتاج إلى شرح طويل وبسط عظيم، ولكن معنى الكلام الأخير أنه يقول: اسكت بعد ذلك أي بعد هذا البيان التام والإظهار الكامل والكشف الجلي، عن السؤال من لسان العقل ومقام القلب ومرتبة السلوك، لأنه قد طلع تباشير شمس الحقيقة وظهر شعاعها في الآفاق، ولست أنت بعد ذلك، محتاجا إلى السؤال من لسان العقل الذي كالسراج بالنسبة للشمس.
والمراد أن الشخص إذا وصل إلى مقام المشاهدة والكشف فلا ينبغي له أن يطلب المقصود من طريق المجادلة والمباحثة لأن الكشفيات والذوقيات غير قابلة للعبارة والإشارة والسؤال والجواب كما أشار إليه أولا: " كشف سبحات الجلال من غير إشارة " فكأنه أمره بالسكوت والصمت والتوجه إلى حضرته تعالى حتى يدرك مقصوده بالذوق الذي هو أعلى مراتب الوصول إلى الله تعالى، وعن هذا المقام قال