شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٠ - الصفحة ٤٣٩
الذكر فيحتاج أن يقف في ذلك المقام ويؤكد ولاه على الناس بل قد كان مشهورا، و فضائله ومناقبه وظهور علو رتبته وجلالته قاطعا للعذر في العلم بحاله عند الخاص والعام.
على أن من ذهب في تأويل الخبر إلى معنى الولاء في الدين والنصرة فقوله داخل في قول من حمله على الإمامة والرياسة، لأن إمام العالمين يجب موالاته في الدين وتعيين نصرته على كافة المسلمين، وليس من حمله على الموالاة في الدين والنصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة، فكان المصير إلى قولنا أولى.
وأما الذين غلطوا فقالوا: إن السبب في ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الغدير إنما هو كلام جرى بين أمير المؤمنين وزيد بن حارثة، فقال علي عليه السلام لزيد: أتقول هذا وأنا مولاك؟ فقال له زيد: لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوقف يوم الغدير فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، إنكارا على زيد وإعلاما له أن عليا مولاه. فإنهم فضحهم العلم بأن زيدا قتل مع جعفر بن أبي طالب عليه السلام في أرض موته من بلاد الشام قبل يوم غدير خم بمدة طويلة من الزمان وغدير خم إنما كان قبل وفاة النبي بنحو ثمانين يوما، وما حملهم على هذه الدعوى إلا عدم معرفتهم بالسير والأخبار.
ولما رأت الناصبة غلطها في هذه الدعوى رجعت عنها وزعمت أن الكلام كان بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين أسامة بن زيد، والذي قدمناه من الحجج يبطل ما زعموه ويكذبهم فيما ادعوه.
ويبطله أيضا ما نقله الفريقان من أن عمر بن الخطاب قام في يوم الغدير فقال: بخ بخ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم مدح حسان بن ثابت في الحال بالشعر المتضمن رياسته وإمامته على الأنام وتصويب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
ثم إحتجاج أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى، فلو كان ما ادعاه المنتحلون مما لم يكن لاحتجاجه عليهم به معنى وكان لهم أن يقولوا: أي فضل لك بهذا علينا وإنما سببه كذا وكذا.
وقد احتج به أمير المؤمنين عليه السلام دفعات واعتده في مناقبه الشراف وكتب يفتخر به في جملة افتخاره إلى معاوية بن أبي سفيان في قوله:
وأوجب لي الولاء معا عليكم * خليلي يوم دوح غدير خم وهذا الأمر لا لبس فيه.
وأما الذين اعتمدوا على أن خبر الغدير لو كان موجبا للإمامة لأوجبها لأمير المؤمنين عليه السلام في كل حال إذ لم يخصصها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحال دون حال، وقولهم: إنه كان يجب أن يكون مستحقا لذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنهم جهلوا معنى الاستخلاف والعادة المعهودة في هذا الباب.
وجوابنا أن نقول لهم: قد أوضحنا الحجة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلف عليا عليه السلام في ذلك المقام، والعادة جارية فيمن يستخلف أن يخصص له الاستحقاق في الحال والتصرف بعد الحال. ألا ترون أن الإمام إذا نص على حال له يقوم بالأمر بعده أن الأمر يجري في استحقاقه وتصرفه على ما ذكرناه.
ولو قلنا: إن أمير المؤمنين عليه السلام يستحق بهذا النص التصرف والأمر والنهي في جميع الأوقات على العموم والاستيعاب إلا ما استثناه الدليل وقد استثنت الأدلة في زمان حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا يجوز أن يكون فيه متصرف في الأمة أمره ولا أمرناه لهم سواه لكان هذا أيضا من صحيح الجواب.
فإن قال الخصم: إذا جاز أن تخصصوا بذلك زمانا دون زمان فما أنكرتم أن يكون إنما يستحقها بعد عثمان.
قلنا له: إنا أنكرنا ذلك من قبل أن القائلين بأنه استحقها بعد عثمان مجمعون على أنها لم تحصل له في ذلك الوقت بيوم الغدير ولا بغيره من وجوه النص عليه، وإنما حصلت له بالاختيار. وكل من أوجب له الإمامة بالنص أوجبها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير تراخ في الزمان. والحمد لله حدثني القاضي أبو الحسن أسد ابن إبراهيم السلمي الحراني رضي الله عنه، قال: أخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي، قال: حدثنا حسين بن الحكم، قال: حدثنا حسن بن حسين، قال: حدثنا أبو داود الطهوري، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قام علي عليه السلام خطيبا في الرحبة وهو يقول: أنشد الله امرءا شهدرسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا يدي ورفعهما إلى السماء وهو يقول: يا معشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فلما قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، إلا قام فشهد بها، فقام بضعة عشر بدريا فشهدوا بها وكتم أقوام فدعا عليهم فمنهم من برص ومنهم من عمى ومنهم من نزلت به بلية في الدنيا، فعرفوا بذلك حتى فارقوا الدنيا.
ومما حفظ عن قيس بن سعد بن عبادة أنه كان يقول فهو بين يدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه بصفين ومعه الراية في قطعة له أولها:
قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل حسبنا ربنا الذي فتح البصرة * بالأمس والحديث يطول وعلي إمامنا وإمام * لسوانا أتى به التنزيل يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل إنما قاله النبي على الأمة * حتم ما فيه قال وقيل