شط بنا القلم عن المقصود فلنعد إليه فنقول: إن القوم أسلموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوغلوا في الهرب حتى قال المحدثون والمؤرخون واللفظ لابن الأثير في كامله: قد انتهت الهزيمة بجماعة المسلمين وفيهم عثمان بن عفان وغيره إلى الأحوص فأقاموا به ثلاث ثم أتوا النبي (ص) فقال لهم حين رآهم: لقد ذهبتهم فيها عريضة.
هذا مع ما سمعوه من النواهي الصريحة في تحريم ذلك، وحسبك منها قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذ لقيتم الذين كفوا زحفا فلا تولوهم الأدبار " الآية.
وهناك نص آخر عدل البعض عن العمل به أيضا، وذلك أنه لما اشتد البلاء وعظم الخطب بفرار المسلمين أرهف المشركون لقتل رسول الله (ص) غرار عزمهم وأرصدوا لذلك جميع اهبهم، فتعاقد خمسة من شياطينهم على ذلك كانوا كالفدائية في هذا السبيل، وهم عبد الله بن شهاب الزهري، وعتبة بن أبي وقاص وابن قمأة الليثي وأبي بن خلف وعبد الله بن حميد الأسدي القرشي لعنهم الله وأخزاهم، فأما ابن شهاب فأصاب جبهته الميمونة، وأما عتبة فرماه (تبت يداه) بأربعة أحجار فكسر رباعيته وشق شفته، وأما ابن قمأة (قاتله الله) فكم وجنته ودخل من خلف المغفر فيها، وعلاه بالسيف (شلت يداه) فلم يطق أن يقطع فسقط صلى الله عليه وآله إلى الأرض. وأما أبي بن خلف فشد عليه بحربته فأخذها رسول الله منه وقتله بها، وأما عبد الله بن حميد فقتله أبو دجانة الأنصاري شكر الله سعيه وأعلى في الجنان مقامه فإنه ممن أبلى يومئذ بلاء حسنا، ثم حمل ابن قمأة على مصعب بن عمير وهو يظنه رسول الله (ص) فقتله ورجع إلى قريش يبشرهم بقتل محمد، فجعل الناس يقولون قتل محمد قتل محمد، فانخلعت قلوب المسلمين جزعا وكادت نفوسهم أن تزهق هلعا وأوغلوا في الهرب مدلهين مدهوشين لا يرتابون في قتل رسول الله (ص) وقد سقط في أيديهم، وكان