على ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله في هذه الواقعة عز من قائل: " وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين إنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين " وكان صلى الله عليه وآله قد استشار أصحابه، فقال لهم (30) إن القوم قد خرجوا على كل صعب وذلول فما تقولون العير أحب إليكم أم النفير؟ قالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدو، وقال بعضهم حتى رآه (ص) مصرا على القتال: هلا ذكرت لنا القتال لنتأهب له إنا خرجنا للعير لا للقتال، فتغير وجه رسول الله (ص) فأنزل الله تعالى: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين لهم كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ".
وحيث أراد الله عز وجل أن يقنعهم بمعذرة النبي (ص) في إصراره على القتال وعدم مبالاته بالعير وأصحابه قال عز من قائل: " ما كان لنبي " من الأنبياء المرسلين قبل نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: " أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " فنبيكم لا يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض على سنن غيره من الأنبياء عليهم السلام، ولذلك لم يبال إذ فاته أسر أبي سفيان وأصحابه حين هربوا بعيرهم إلى مكة، لكنكم أنتم " تريدون " إذ تودون أخذ العير وأسر أصحابه " عرض الدنيا والله يريد الآخرة " باستئصال ذات الشوكة من أعدائه " والله عزيز حكيم " والعزة والحكمة تقتضيان يومئذ اجتثاث عز العدو وإطفاء جمرته. ثم قال تنديدا بهم وتهديدا لهم " لولا كتاب من الله سبق " في علمه الأزلي بأن يمنعكم من أخذ العير وأسر أصحابه لأسرتم القوم وأخذتم عيرهم، ولو فعلتم ذلك " لمسكم فيما أخذتم " قبل أن تثخنوا في الأرض " عذاب عظيم " هذا معنى الآية الكريمة (31) وحاشا الله أن يريد منها ما ذكره أولئك الجهلاء.