وأخرج مسلم في كتاب الوصية من الصحيح عن سعيد بن جبير من طريق آخر عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال: قال رسول الله (ص) ائتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقالوا إن رسول الله (ص) يهجر ا ه (22).
ومن ألم بمجموع ما حول هذه الرزية من الأحاديث يعلم أن أول من قال يومئذ هجر رسول (ص) إنما هو الخليفة الثاني رضي الله عنه، ثم نسج على منواله من الحاضرين من كانوا يرون رأيه ويؤثرون هواه، كما يدل عليه الحديث الأول الذي رواه البخاري بسنده إلى عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، وقد سمعت قول ابن عباس فيه، فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر.
وكيف كان فإنهم لم يتعبدوا هنا بنصه الذي لو تعبدوا به لأمنوا من الضلال، بل لم يكتفوا بعدم الامتثال لأمره حتى ردوا عليه بقولهم " حسبنا كتاب الله " كما يزيف أحدنا رأي الآخر، كأن رسول الله (ص) لا يعلم بمكان كتاب الله منهم، أو أنهم أعلم منه بخواص كتاب الله وفوائده، وليتهم اكتفوا بهذا كله ولم يفاجئوه بكلمتهم تلك وهو محتضر بأبي هو وأمي بينهم، وأي كلمة كانت منهم وداعا له (ص)، وكأنهم حيث لم يأخذوا بهذا النص اكتفاء منهم بكتاب الله على ما زعموا لم يسمعوا هتاف الكتاب آناء الليل وأطراف النهار في أنديتهم قائلا: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " وكأنهم حيث قالوا كلمتهم تلك لم يقرأوا قوله تعالى: " إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون " وقوله عز من