أي فأعطيتهم إياها، وحملوني معهم حتى إذا بلغوا بي وادي القرى، وهو محل من أعمال المدينة (النبوية)، ظلموني فباعوني من رجل يهودي فمكثت عنده، فرأيت النخل فرجوت أن تكون البلدة التي وصف لي صاحبي ولم يحق عندي: أي لم أتحقق ذلك، فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بي قريظة من المدينة، فابتاعني منه فحملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها: أي تحققتها، بصفة صاحبي، فأقمت بها وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر (رسول الله) إلى المدينة، فوالله إني لفي (رأس) عذق: أي نخل، لسيدي أعمل (له) فيه بعض العمل وسيدي جالس تحتي، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: يا فلان! قاتل الله بني قيلة: أي وهما الأوس والخزرج، لأن قيلة أمهما، فقد جاء: (إن الله (تعالى) أمدني بأشد العرب ألسنا وأذرعا، يا بني قيلة: الأوس والخزرج). والله إنهم الآن (ل) لمجتمعون بقبا - بالمد والقصر، وربما قيل: بتاء التأنيث والقصر - على رجل قدم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي، فلما سمعتها أخذتني العرواء: وهي الحمي النافض: أي الرعدة، والبرحاء: الحمى الصالب، حتى ظننت أني ساقط على سيدي، فنزلت عن النخلة، فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ما تقول؟
فغضب سيدي ولكمني لكمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك، فقلت: لا شئ (و) إنما أردت أن أتثبته فيما قال وقد كان عندي شئ جمعته، أي وهو محتمل لأن يكون تمرا ولأن يكون رطبا، فلما أمسيت أخذته، ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو بقباء فدخلت عليه، فقلت (له):
إنه قد بلغني (1) أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شئ كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم فقربته إليه، فقال (رسول الله صلى الله عليه وآله) لأصحابه: كلوا، وأمسك (هو) يده فلم يأكل،