الغمام والتبر من الرغام، وأما المقداد: فحيث لم يصدر منه ما ينافي مقامه من الإيمان، وإن كان في الدرجة الثامنة، كان هو أثبت منهم بالنسبة إلى مقامه، ولا يكون ذلك سببا لفضله عليهم وإلا لوجب فضل أيوب عليه السلام على أولي العزم أو المرسلين على غيرهم إنما هو بالعلم الذي هو المناط في التفاضل، ومن هذا الباب جميع ما ورد في الصفات المختصة بكل نبي فإنها إن كانت مما تحصل به التفاضل على من هو أعلى منه فإنما هي لامتيازها بها من بين ساير صفاته وتماميتها فيه، لا أنها في غيره ناقصة، وقد تقدم في رواية سليم عن سلمان: (إن الزبير كان أشد منا قولا وأشدنا نصرة في نصرته عليه السلام)، فافهم.
وتحصل من تلك الأخبار وغيرها مما لم نذكرها أصل أصيل وهو الحكم بارتداد جميع من بقي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن صحبه في حياته إلا ثلاثة منهم أو أربعة، والوجه في ذلك مضافا إلى تلك الأخبار هو إنكارهم ما سمعوه منه صلى الله عليه وآله وسلم من النص على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام مما هو مذكور مفصلا في كتب الإمامة، وليس بغريب منهم، فإن أكثر الخلائق ضلوا عن الأنبياء الماضين وعبدوا غير رب العالمين، بل لو لم تضل أكثر هذه الأمة كان ذلك ناقضا للعادات وخلاف ما تقتضيه طبايع البشر واختلافهم في الاعتقادات، بل الذين كابروا واشتبه عليهم الحال بين علي عليه السلام وبين من تقدمه من الخلفاء أولى بالضلالة من الذين اشتبه عليهم الحال بين الله عز وجل وبين خشبة عبدوها من دونه، فإنهم ما كان يحصل لهم من الأصنام ذهب ولا فضة ولا ولاية ولا إنعام، وقد حصل لهؤلاء وهو يتلو قوله عز وجل: