قال (عليه السلام): فجعلوا يهزؤون به ويقولون: يا سلمان! لقد ادعيت مرتبة عظيمة شريفة نحتاج أن نمتحن صدقك بما قلت من كذبك فيها وها نحن إذا قائمون إليك بسياط، فضاربوك بها فسل ربك أن يكف أيدينا (1) عنك، فجعل سلمان يقول: اللهم اجعلني على البلاء صابرا، وجعلوا يضربونه بسياطهم حتى أعيوا وملوا، وجعل سلمان لا يزيد على قوله: اللهم اجعلني على البلاء صابرا، فلما ملوا وأعيوا قالوا له: يا سلمان! ما ظننا أن روحا تثبت في مقرها مع مثل هذا العذاب الوارد عليك، فما بالك لا تسأل ربك أن يكفنا عنك؟ فقال: لأن سؤالي ذلك ربي خلاف الصبر، بل سلمت لأمها الله تعالى لكم وسألته الصبر، فلما استراحوا قاموا إليه بعد بسياطهم فقالوا: لا تزال نضربك بسياطنا حت تزهق روحك أو تكفر بمحمد، فقال: ما كنت لأفعل ذلك فإن الله قد أنزل على محمد: (الذين يؤمنون بالغيب)، و (إن) احتمالي لمكارهكم - لأدخل في جملة من مدحه الله بذلك - سهل علي يسير، فجعلوا يضربونه بسياطهم حتى ملوا، ثم قعدوا وقالوا:
يا سلمان! لو كان لك عند ربك قدر لإيمانك بمحمد لاستجاب (الله) دعائك وكفنا عنك، فقال (سلمان): ما أجهلكم! كيف يكون مستجيبا دعائي إذا فعل بي خلاف ما أريد منه، أنا أردت منه الصبر فقد استجاب لي وصبرني ولم أسأله كفكم عني فيمنعني حتى يكون ضد دعائي كما تظنون، فقاموا إليه ثالثة بسياطهم وجعلوا يضربونه وسلمان لا يزيد على قوله:
اللهم صبرني على البلاء في حب صفيك وخليلك محمد، فقالوا (له): يا سلمان! ويحك أليس محمد قد رخص لك أن تقول كلمة الكفر بما تعتقد ضده للتقية من أعدائك، فما (با) لك ر = لا تقول ما يفرج عنك للتقية؟ فقال سلمان: إن الله قد رخص لي في ذلك ولم يفرضه علي بل أجاز لي أن لا أعطيكم ما تريدون واحتمل مكارهكم وجعله أفضل المنزلتين وأنا لا أختار غيره، ثم قاموا إليه بسياطهم وضربوه ضربا كثيرا وسيلوا دمائه